أم كمال: سنظل نبتسم رغم حزن بلا نهاية

2016-02-27 14:28:00

سوزان الطريفي/ رام الله

أم كمال السلوادية؛ رسمية عثمان حامد، المتزوجة في مخيم دير عمار، في الأربعينات من عمرها، تروي حكايتها التي تحتوي على مزيج من الحزن والصبر الذي تعجز الجبال عن حمله، حتى أصبحت حياتها تواريخ لذكريات مريرة، لا تنسى أيامها بتفاصيلها الموجعة.

حرمان من الأب والأخوة الثلاثة

استيقظت أم كمال وعائلتها وفلسطين في التاسع من آذار عام 1988 على خبر استشهاد أخيها محمد عثمان حامد، الذي كان في الصفوف الأولى في مواجهة الاحتلال. ولم يمض على استشهاد أخيها بضع سنين، حتى نفذ أخواها أكرم ورأفت عملية بطولية قتلا فيها خمسة مستوطنين وعميلا للمخابرات الإسرائيلية.

تقول أم كمال: "حرمنا من رؤيتهم لمدة أربع سنوات، عشنا خلالها أشد أنواع الحرمان والشوق والخوف عليهم". وكان والدها معيل الأسرة الوحيد من عمله في محطة للغاز، وفي عام 2006 جاءها زوجها يخبرها بأن أمها مريضة، فذهبا إلى بيت والديها، وعندما وصلا، كان كثير من الناس يحتشدون أمام المنزل، وكانت أمها جالسة تبكي بحرقة، حيث تقول أم كمال: "حينها علمت أن والدي توفي إثر انفجار في محطة الغاز التي يعمل بها".

وتتابع: "حزن كبير يعتصر قلوبنا، وقد بتنا ننتظر صدور الحكم على أكرم ورأفت، حيث حكم على أخي رأفت بالسجن خمسة مؤبدات، وعلى أكرم ثلاثة مؤبدات". وهنا يعجز اللسان عن الوصف والكلام، أي حكم هذا؟ حيث تستمر: "بعنا كل ما نملك لعل محاميا يتمكن من تخفيف الأحكام، حتى نجح المحامي بتخفيف حكم رأفت إلى مؤبد واثني عشر عاما". ولم تشف العائلة بعد من جرح وفاة الوالد، فلم تحتمل أمها هذه الأحكام، فأصيبت بالضغط والسكري، وفقدت سمعها، ولا زالت حتى اليوم تعيش على أمل خروج ولديها من السجن، ورؤيتهما من جديد حرين، بدلا من الذكريات.

كانت أم كمال تروي الحكاية وتنظر إلى صورة أخويها أمامها، ورفعت رأسها وأشارت إليهما قائلة:"شوفي محلاهم..شوفي صحتهم.. بس اليوم جلدة على عظمة". وتمضي الأيام، وأم كمال تعيش حزنها ممزوجا بالدعاء بالفرج لأخويها.

أم كمال بلا شريكها

وفقدت أم كمال شريك حياتها وحزنها وسندها وأبا أولادها، أبو كمال، في التاسع عشر من آذار عام 2011. حيث تقول: "كنت أنا وزوجي في المشفى مع ابنتي ياسمين ننتظر أن تضع مولودها الأول، وكنا فرحين رغم غيمة السواد والحزن، وحين أنجبت طفلها عادت لنا البسمة. وكان أبو كمال فرح الدرجة أنه قام بتصويره صورا كثيرة، ولم نكن نعلم أنها آخر ضحكاتنا، فحين عدنا إلى المنزل وتناولنا العشاء، سهرنا في أجمل الليالي، وفي الثانية فجرا شعر زوجي بألم في صدره، فأمر الطبيب الذي أحضرناه بتحويله إلى المشفى، ولكنه لم يصلها، حيث توفي في الطريق إثر جلطة قلبية". ثم توقفت، حيث لم تستطع وصف هذه الصدمة، والخبر الذي فجع به الجميع؛ فلم يسبق لزوجها أن عانى من أي مرض، ولكن "هذا قضاء الله وقدره".

محمد الضنا الغالي

ترك الزوج ابنه محمد ليعوض أمه بالحنان والحب، حتى بدأ يحدثها عن مناماته المزعجة، وهو لا يرى فيها سوى والده يناديه في كل مكان: في البيت، وفي الشارع، وفي مكان عمله. تقول: "كان يقول لي: يما أبوي بدو إياني، بضل ينادي علي، وأنا أحاول أن أقنعه بأنها مجرد أحلام، وأطلب منه التعوذ من الشيطان، ولكن في العاشر من نيسان عام 2011، أي بعد وفاة زوجي باثنين وعشرين يوما، استيقظ محمد كعادته، وتوضأ وصلى الفجر، وقال لي: "يما بدي أوخد تمر أوزع على العمال عن روح أبوي، وخرج إلى عمله".

أم كمال عادت إلى النوم، فرأت نفسها أمام مشفى تمزق شعرها، وتأكل ورق شجر مر كالعلقم، ففزعت من نومها، وفتحت الشباك، وسألت جارتها أم عنان عما يحدث، فقالت:"لا شيء، اذهبي أنت".

وتتابع: "شعرت أن شيئا حدث لمحمد، فصرخت: ابني محمد مات؟ ولم يجبني أحد، فخرجت مسرعة دون حذاء ولا غطاء على رأسي، أركض وأنا أصرخ: محمد مات".وحين وصلت إلى المشفى، كانت كل عائلتها هناك، وسمعت شقيق زوجها وهو يضع يده على كتفها، يقول: "بعوضك الله يا مرت أخوي"!

هنا فقدت أم كمال الوعي، ولم تعد تذكر شيئا، ولم تقو على تحمل الخبر... تقول: "ذهب فلذة كبدي، وبعد أن استعدت الوعي، عرفت أن محمد سقط على رأسه من الطابق التاسع، فصبرت، ووقفت على قدمي، مقتنعة قناعة كاملة بأن لله ما أعطى ولله ما أخذ".

العودة إلى السعادة

مرت الأيام والسنون، وأصبح ابنها كمال على عتبة زفافه، ولكنها لم تستطع أن تفرح ككل أم عريس تحضر لمراسم زفاف ابنها، وكان الحزن يملأ قلبها؛ فلا زوج، ولا ولد، ولا أخا يشاركهما هذا الفرح، ولكنها كانت مجبرة على حبس دمعتها، تدعي الفرح، وتقول: "أصبحنا في عام 2016، وأنا أصلي يوميا أمام صورة محمد، وأدعو له"، ثم صمتت قليلا وقالت:"الضنا غالي...الضنا غالي"!

ولكن أم كمال اعتادت أن تبقي البسمة مرسومة على وجهها أمام أبنائها الآخرين حتى لا يعمر الحزن شريكا لحياتهم، ودائما تذكر إخوتها وزوجها وابنها محمدا في المواقف الجميلة التي عاشوها... "حتى نظل نبتسم رغم الحزن".

 

اخترنا لكم
عماد ابو الفتوح عندما عرفت أن الرواية القا...
سلمى أمين هل تمنّيت يومًا أن تتحدّث أكثر م...
 هند الجندي ينظر معظم الناس للأذكياء...
لينا العطّار/  اخترنا لكم من اراجيك...
بقلم: تركي المالكي الحياة مليئة بالجمال وا...
اخترنا لكم هدى قضاض- اراجيك  يعد ا...
منوعات
نغم كراجه/غزة يواجه الشباب صعوبة في إيجاد...
رغد السقا/غزة يمر ذوي الإعاقة بظروف نفسية...
سها سكر/غزة "لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أ...
نغم كراجة/غزة "أمي لم تفِ بوعدها، أخب...
إسراء صلاح/غزة هنا غزة المدينة المنكوب...
عرين سنقرط/القدس ربما قطار الفرح في مدينتي...