سهير الجاعوني/ القدس
أصبحت أصابعي تجيد التنقل على مؤشر القنوات الإخبارية عبر المذياع الصغير الذي أضعه فوق المنضدة في المطبخ، من أجل الاستماع للموجزات الإخبارية التي تأتي على رأس كل ساعة لتطلعنا بالمستجدات المرتبطة بفيروس كورونا، وبات ذلك المذياع رفيقي أثناء طهي الطعام لعائلتي، كما عادت أناملي لريشة الألوان في مرسمي المزيّن بكافة الألوان المشرقة، هذا جلّ ما أقوم به خلال الحجر المنزلي؛ هواية الرسم ومسؤولية الأمومة.
وحينما أشعر بالضجر والحاجة الماسة للتعبير عما يجول في خاطري، أطلق العنان لريشتي لعلها تهدأ من روعي، وإذ بها تحلق بين زوايا اللوحة الفنية لترسم بشكل لا إرادي خطوطا تحمل عنوان "الحياة في زمن كورنا"، لتظهر مدى تأثير الفيروس على الحياة البشرية، والصراع الداخلي الذي ينتابنا مع لحظات الهدوء والسكينة؛ ليدق ناقوس مكنونات نفوسنا من قلق وتوتر.
نعم، الأمر ليس سهلا حينما نجد أنفسنا في مواجهة مثل هذه الظروف فجأة دون سابق إنذار، كما أنه ليس من السهل المحافظة على رباطة جأشنا متماسكة ونحن نعلم أن هناك خطر يكاد يداهم أحباءنا في أي وقت.
أدرك أننا كفلسطينيين تعرضنا للعديد من الأزمات الصعبة والتعديات المجحفة بحقنا من قبل الاحتلال ولا زلنا؛ ولكن اليوم نواجه أزمة عالمية تهدد البشرية، لربما يحاول الكوكب أن يستريح قليلا من أفعال البشر الضارة للطبيعة، وقد تكون فرصة لإعادة بناء ذاتنا في سبيل الاستثمار الأمثل للحجر والوقت الوفير، أصبحنا نهتم بتفاصيل صغير كان يشغلنا ازدحام الوقت عنها، ويبقى الأمل يحذو إلى قلوبنا بأن تمر هذه الأزمة بسلام على الجميع.
أعتذر لن أتحدث في سطور مقالي عن مدى خطورة فيروس كورونا، لكون سبقني العديد من أهل الخبرة والاختصاص، لكني سأتحدث عن الزمن الذي وجدنا أنفسنا محاصرين به بين قضبانه، لا نستطيع الهروب والمغادرة خارج جدرانه، بل أصبح اليوم يمتد أمامنا بساعاته الطويلة، ومعه أحلامنا وأفكارنا التي وجدت لها أرضا خصبة للنمو وبناء قصور سرمدية لها.
أفكار كثيرة تقرع باب الخروج لتصبح واقعا معاش، نمارس بعضها وننبذ أخرى لما يتناسب مع أفراد العائلة، لحظات جميلة بتنا قادرين على عيشها، كما كنا نسرق بعضا منها في خضم المسؤوليات اللامتناهية وانشغالنا في أمور الحياة اليومية، فالآن تلاشى ما كان يرهق كاهلنا ويشغلنا عن أقرب الناس لنا، وبات لدينا متسع من الوقت لنفعل ما نريد، لذا حينما أشعر برغبة لتفريغ شوقي ومحبتي وقلقي أبحث عن ريشتي وألواني لتكون السبيل لوصولي إلى بر الهدوء والإبداع، فلا بد من استثمار وقتنا فيما نحب؛ الذي يجلب لنا السعادة والأمل؛ للاستمرار في الحياة حتى تنتهي هذه الجائحة بسلام.