غيداء حمودة/ رام الله
زينب الكرمي لم تكن تحتاج إلى شهادة في تخصص التجارة أو حتى المحاسبة لتخولها إدارة مشروعها الخاص. خمسة أشهر بالضبط، هي الفترة الزمنية التي لازمت زينب بعد تخرجها في جامعة بيرزيت بتخصص علم النفس، دون أن تتمكن من الحصول على أي وظيفة تعكس فيها خلاصة أربع سنوات من الدراسة ونتاجها. وحينها قررت أن تخرج من العزلة التي على ما يبدو باتت مرحلة يمر بها أي خريج في هذا البلد، وتنطلق نحو مغامرة لم تكن بالحسبان. وتؤكد أن البداية كانت صعبة ومليئة بالعثرات، ولكن سرعان ما لمست النتائج.
وللحديث أكثر عن فكرة المشروع واسمه، كان "لبيالارا" اللقاء التالي مع زينب، التي حملت شعارا خاصا بها، أحبت أن تشاركنا إياه: "عليك أن تبتعد عن الاستقرار بحجة الراتب الشهري؛ لأنك ببساطة لن تطور ذاتك إذا بقيت على هذا الحال".
لقد خضت نقلة نوعية من تخصص علم النفس إلى صاحبة مخبز ومصنع "عسل" للحلويات. سيدة زينب الكرمي، كيف ذلك؟
تخرجت في جامعة بيرزيت بتخصص بكالوريوس علم النفس، ولم أجد شاغرا في أي وظيفة، وهذا كان الجوهر والأساس لإنشاء مشروع خاصٍ بي، الذي نفذته بالتعاون مع شخص كان يعمل في إحدى المستوطنات، ولديه خبرة كافية في الإدارة. وفي الوقت نفسه تشاركنا برأس المال، واستطعنا خلق وظيفة لأربعة شبان لاحقا كانوا يعملون في المستوطنات.
إذن ما الهدف من مشروعك؟
الهدف المباشر هو إيجاد بديل عن المنتج الإسرائيلي، ولهذا درسنا السوق والتكاليف، خاصة ما يتعلق منها بالمواد الخام، وحرصنا على توفير الآلات اللازمة، وأصبح المصنع جاهزا، وأطلقنا منتجاتنا بتاريخ 20-3-2016 في الأسواق الفلسطينية، في مناطق وسط الضفة وشمالها، ونحن الآن نعمل على تطوير خطة تمكننا من تغطية كامل الضفة.
لماذا كانت بلدة "بديا" نقطة ارتكاز المصنع؟
السوق التنافسية في مدينة رام الله ضخمة جدا، ومستوى التكلفة عال، وأي مشروع فيها يحتاج إلى ضعف رأس المال إذا ما قورنت بباقي المحافظات، وستشعر بأنك محصور ضمن نطاق معين. هنا وقع الاختيار على بلدة بديا بمحافظة نابلس؛ فهي منطقة حيوية، تحيط بها ثلاث مستوطنات. كما لا يمكننا أن نجبر الشبان الذين يعملون في المصنع على القدوم إلى رام الله يوميا. ولكي ننادي بفكرة الوطنية، تجد المواطن نفسه يكافح لينال قوت يومه على أرضه؛ لأن الاحتلال فعلا يحاول بسط يديه على المحافظات، وهذا المصنع سيعزز صمود الكثيرين، وسيخلق اقتصادا وطنيا.
ما أصعب تحد واجهك في بداية مشروعك؟
من بين جميع التحديات التي واجهتني كان "الشعور بالصدمة"، أو "إنت بنت"، حيث إن بعض الشركات رفضت أن تتعامل معي لأنني فتاة، بحجة أننا من غير المعتاد وجودنا في الأسواق، ولم يكن لأي أحد أن يستوعب فكرة أننا قادرات على القيادة.
"ولأنك فتاة" كما قال مجتمعك.. كيف واجهت هذه النظرة في مشروعك؟
أخي يدرس التجارة، فطلبت منه أن يكون مساعدا لي في الأمور الإدارية، كما يساهم في منحي بعض النصائح، وكانت عائلتي أول الداعمين والمشجعين للفكرة.
البدايات في مجتمعنا ليست سهلة، ولكني كنت قوية بما فيه الكفاية لأستمر وأريهم ما قد تفعله الفتاة.
كيف حصلت على تمويل لمشروعك؟
كنت قد توجهت للحصول على تمويل خارجي، إلا أن معظم القروض تكون محكومة بنسبة فائدة، ولهذا اقترضت مبلغا من المال من أفراد العائلة وبعض من المعارف، على أن أعيده لهم حين تسنح الفرصة. والوضع الحالي للمصنع يمكنني أن أصفه بالجيد جيدا والأرباح معقولة.
وكنا قد استغللنا المنصات الإلكترونية من أجل الترويج لمنتجاتنا، وكان الاعتماد الأكثر على الجمهور كونه ذواقا، ويشتري بناء على السمعة الجيدة.
إلى ماذا تطمحين؟ وإلى أين تريدين أن تصلي بمشروعك؟
مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة… نحن لازلنا في البداية، إلا أننا نسعى لتطوير منتج ينافس في الجودة والمقاييس العالمية، ولهذا وضعنا هدف الحصول على شهادة "نظام إدارة الجودة والمقاييس الدولية" أي شهادة الـISO، التي ستسمح لنا بتصدير منتجاتنا للأسواق الخارجية، ونأمل بعد ذلك أن يصبح منتجنا ماركة عالمية وله قيمة في الوقت ذاته.
أما على المستوى القريب فسنحرص على إنتاج صحي ولذيذ، نبتعد فيه عن كل ما هو صناعي. نملك حاليا آلات تمكننا من تغطية الضفة الغربية والقدس، وحتى أراضي 48، وبإذن الله نطمح للوصول إلى قطاع غزة.
هل بقي لعلم النفس مجال في حياتك؟
علم النفس هو الشغف والطموح ذاته، ولهذا أنا أعمل في مجال صعوبات التعلم ثلاثة أيام في الأسبوع إلى جانب إدارتي للمصنع. لقد درسنا علم النفس بطريقة جميلة جدا في الجامعة، ولكننا صدمنا عقب تعدينا لسور الجامعة، بالطريقة التي يتعامل مجتمعنا معنا كخريجي هذا التخصص، حيث سوق العمل فيه وفرصها محدودة بشكل ملحوظ، وحتى عندما تنضم لأي مؤسسة ستضطر للعمل بالطريقة التي تريدها، مما يقتل روح الإبداع لديك.