أماني خيري/ الأقصر،
تزخر محافظة الأقصر في صعيد مصر بالعديد من النماذج النسائية المتميزة والناجحة، والتي أثبتت بأن للمرأة قدرات تفوق قدرات الرجال حتى في المهن التي تحتاج القوة والجهد والمشقة، معلنة تحدي العادات والتقاليد الصعيدية التي لطالما أعتز أهالي الصعيد بها، ومتحملة عناء الحياة وظروفها الصعبة، ومسؤولية تربية الأطفال ومواجهة المجتمع وحدها.
في شرق محافظة الأقصر بمركز الطود، تعيش عبلة الطاهر، 44 عاما، التي حصلت على شهادة الثانوية الفنية التجارية ولم يقدر لها أن تستكمل تعليمها، وفضلت مساعدة أشقائها في استكمال تعليمهم، ومساندة والدها في الإنفاق على الأسرة في ظل الظروف المعيشية الصعبة.
لقبت عبلة بالمرأة الحديدية؛ كونها لازمت العناء منذ الصغر، فهي الأخت الكبرى ل6أشقاء بينهم ذكر واحد، فكانت ترافق والدها حيث كان يعمل في الحقول، ومن هنا تعلمت الكثير عن الزراعة والحقول والمحاصيل المختلفة، وفي خضم ذلك بدأت تشعر بأن الحياة تمر أمام أعينها مسرعة وهي لا تزال عزباء، وفي تلك الفترة تقدم شخص لخطبتها فوافقت على أمل ايجاد الراحة والسعادة، وأن ترى الوجه الآخر للحياة، لكنه خالف توقعاتها، ولم يستمر زواجها.
وبعد انفصالها عادت للعمل وبحثت عن أعمال جديدة في محال البقالة والمخابز، وأعمال البناء حيث كانت تساعد العمال، ثم تزوجت مرة أخرى وأنجبت طفلين وهما يوسف وشروق، يبلغان 11عاما. إلا أن زواجها الثاني أيضا لم يكن سعيدا؛ فالزوج يرفض العمل ومتطلبات الحياة كثيرة ومكلفة، لذا قررت عبلة ترك منزل زوجها والإقامة في منزل والدها، ثم انتقلت لمنزل آخر كان مهدم وحاولت استكمال بنائه بنفسها كي يأويها وأطفالها من البرد.
ولم يبق أمام عبلة سوى العودة مرة أخرى لمسيرة العمل خاصة وأن زوجها لم يتحمل مسؤولية الإنفاق على أطفاله، فاستأجرت محلا تجاريا ثم ما لبث حتى أستعاده منها صاحب العمل، لكنها لم تستسلم، وبدأت بالبحث مجددا عن سبيل آخر للعمل، وبالفعل بدأت في جمع القمامة وإعادة بيعها مرة أخرى.
وقررت في النهاية العودة للحقول نظرا لخبرتها في الزراعة، حتى أصبحت مقاول أنفار تشرف على العمال وتقرر معهم نوعية العمل بل وتساعدهم، وتقاضيهم مرتباتهم، ضاربة بالعادات والتقاليد والأقاويل عرض الحائط.
تحلم "عبلة" المرأة الحديدية "، ببناء منزل توفر تحت سقفه حياة كريمة وآمنة لطفليها، هذا هو مطلبها الوحيد من الحياة.