تدوينات عن جيل محبط

2016-04-03 12:27:16

معاذ محمد/ مصر

كلما مررت بجانب مقر قضائي، أرى عربة "الترحيلات"، كما نسميها في مصر، بلونها الأزرق القاتم، تنتابني غصة لمجرد التفكير أنها تحمل أشخاصا كانوا أحرارا منذ فترة قصيرة، ودائما أراها مثالا مصغرا لأقطارنا التي جعلت حدودها أسلاكا شائكة تحاصر الأفكار والأمنيات والأحلام.

لقد تجاوزت الأمور اليوم حبس الأفكار، فأنهكت طاقه جيل تضيع حياته بين النيابة والمحاكم والقبور، بل وصل الأمر إلى حد غلق المراكز التي تساعد من يخرج من قبور الاعتقال على تجاوز الأمر نفسيا، كما في حالة مركز النديم، الذي أكاد أجزم أنه أنقذ أناسا كانوا على شفى الانهيار. وقد سألت نفسي مرارا: لماذا؟ ماذا يريدون من شخص أصبح ميتا من الداخل بعدما انتهكوا كرامته وجسده وعطلوا حياته لأشهر، وأحيانا لسنوات؟

يرسم بعضهم صورة ذهنيه للمعتقل المقيد رافعا الوسطى والسبابة، ليرسم علامة النصر، فيظن كثيرون أنه شخص فولاذي يمتص الصدمات ولا يهزم، فلا يهتمون كثيرا لعمره الذي يضيع بين أربعة جدران عفنة باردة كريهة مملة في صورتها التي تضجر عينيه كلما نقل أنظاره داخلها، فيرتد النظر لذات الجدران، ومن خلف الباب المغلق يغلقون في وجهه أبواب الحرية. وكلما تظاهر الشخص بالتماسك والصمود، كان أقرب للانهيار، لحاقا بقرينه المتهالك. نعم؛هؤلاء الأشخاص تدوي صرخاتهم كل لحظه ولا نسمعهم، هم ليسوا أقوياء كما نظن؛ فالطبيعة الإنسانية تعشق الحرية وفك القيود، وليس القيد الذي يكبل الحركة فحسب، بل حتى ذاك الذي يكبل الفكرة وإعلاء الصوت وتحقيق التغيير الذي يريده الأحرار.

ومع بداية حكم العسكر في مصر، كان القمع موجها لجهتين: التيار اليساري، والإسلاميين؛ بصفتهما الجبهتين الأقوى، والقادرتين على تحريك الشباب بشكل منظم، ليشتد تارة، ويهدأ تارة، فيتوسع القمع، ليشمل جيلا كاملا، وتكون تهمتك الوحيدة هي أنك تنتمي لهذه الفئة العمرية الملعونة غير المرغوب بتواجدها، ويتم رمقها بالنظرات القاتلة عند كل حاجز أمني، وتتم معاملة من يقطن فيها على أنه متهم محتمل.

لماذا يفكر الجميع في الهجرة والنزوح من أقطارنا التي لا نتفاخر إلا بتاريخها البعيد؟! لماذا لا تسألون أنفسكم؟ لقد بات الموضوع أبعد من فرصه عمل مناسبة، بل غدا يخص الكرامة واحترام الذات، وألا تتوقع الإهانة من رجل أمن لا يدري من عمله إلا ذلك الجزء الذي يتعلق بأنه لن يحاسب على فعله مهما كان.

يا أيها العاقلون في أقطارنا المظلمة، أنقذوا ما تبقى من هذا الجيل، أنقذوا ما تبقى ممن تدعون أنهم أمل المستقبل، أنقذوهم قبل أن تتحول هذه القوه المحبطة إلى قوة عشوائية فوضوية تحرق الأخضر واليابس، وحينها لن تجدي دموع التماسيح.

 

اخترنا لكم
عماد ابو الفتوح عندما عرفت أن الرواية القا...
سلمى أمين هل تمنّيت يومًا أن تتحدّث أكثر م...
 هند الجندي ينظر معظم الناس للأذكياء...
لينا العطّار/  اخترنا لكم من اراجيك...
بقلم: تركي المالكي الحياة مليئة بالجمال وا...
اخترنا لكم هدى قضاض- اراجيك  يعد ا...
منوعات
نغم كراجه/غزة يواجه الشباب صعوبة في إيجاد...
رغد السقا/غزة يمر ذوي الإعاقة بظروف نفسية...
سها سكر/غزة "لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أ...
نغم كراجة/غزة "أمي لم تفِ بوعدها، أخب...
إسراء صلاح/غزة هنا غزة المدينة المنكوب...
عرين سنقرط/القدس ربما قطار الفرح في مدينتي...