حقوق المرأة في أعين رجال آمنوا بها

2016-03-12 13:35:15

دعاء شوامرة/ رام الله

أليس من الغريب أن يكون الرجل هو أول من دعا إلى تحرير المرأة ومنحها حقوقها؟!

نعم، إنه الرجل الذي قيدها وسلبها حريتها، وهو ذاته أول من طالب بحقوقها في الوقت الذي كانت فيه المرأة خانعه مستسلمة لنفوذه وسيطرته المطلقة، حتى برز رجال يملكون من الجرأة والإنسانية ما يكفي للاعتراف بكينونتها، ويطالب بتحريرها من قيود لازمتها منذ بدء الخليقة، بل وكرس بعضهم جل أعماله لهذه القضية، ووضعها نصب عينيه؛ فها هو قاسم أمين، 1863-1903، الكاتب والأديب والمصلح الاجتماعي المصري، يعلن عن نفسه كرائد لحركة تحرير المرأة، وأشد المتمسكين بالدفاع عن حقوقها؛ انطلاقا من إيمانه بها كإنسان، وكونها أساسا لكل شيء إذا ما أحسنت تربيتها وتنشئتها. وتجلى ذلك في العديد من كتاباته، وأهمها كتاب "تحرير المرأة"، الذي تحدث فيه عن الحجاب وتعدد الزوجات والطلاق، وضرورة المساواة بين الرجل والمرأة، وأكد فيه أن الدعوة إلى تحرر المرأة ليس خروجا على الدين، وأن ما تتعرض له من قيود وإهدار لحقوقها ما هو إلا من صنع البشرية، انطلاقا من قاعدة العادات والتقاليد، ولا يمت ذلك إلى الدين بصلة. ولكن لم يلق هذا الكتاب، ولا آراء قاسم أمين، ترحيبا في مصر، بل كان مزلزلا هز الشارع المصري لتنهال على أمين الاتهامات والشتائم والمعارضة؛ فيرد عليهم بكتاب جديد بعنوان "المرأة الجديدة"، ليؤكد فيه على أفكاره التي أوردها في الكتاب الأول ومبادئه.

ولكن لم يكن قاسم أمين أول من دعا إلى تحرير المرأة، وإن كان ذلك ينسب إليه فلكونه من أوائل من دعوا إلى ذلك. وقد سبقه بعض من كان لهم الفضل في إنارة هذا النفق المظلم، أمثال الشيخ المصلح رفاعة الطهطاوي، وأحمد فارس الشدياق، وإن كانت هذه الأسماء غير مألوفة لدى الكثير من الأشخاص في مسيرة الدفاع عن حقوق المرأة.

ورفاعة الطهطاوي، 1801-1873، هو أحد قادة النهضه العلمية في مصر والعالم العربي، ومن رواد التنوير في العصر الحديث، كان أول من دعا لتحرير المرأة، حيث عاد من باريس محملا ومشبعا بالفكر الباريسي وقيمه، خاصة فيما يتعلق بالمرأة، فطالب بتعليمها وخروجها للعمل، وأكد أن الأخلاق هي المقياس الحقيقي، والمحك الذي يجب الأخذ به للحكم على المرأة، وليس مدى احتشامها أو جمالها وما إلى ذلك.

لقد آمن الطهطاوي أن صلاح المجتمع لا يتم إلا بصلاح المرأة، وأن ذلك لا يتحقق إلا بأعطائها حقوقها، ومساواتها مع الرجل، وتربيتها، وتعليمها، وتنشئتها التنشئة السليمة كشخص يؤثر ويتأثر بالمجتمع المحيط به، وكان ذلك جليا في كتابه "المرشد الأمين في تعليم البنات والبنين"، الذي بدأ من خلاله التمهيد لفكرة تعليم المرأة، وأكد فيه على ضرورة تعليم البنات كما البنين، والمساواة بينهم.

أما في كتابه "تخليص الإبريز في تلخيص باريز"، فقد قدم الطهطاوي مقارنة بين المرأة المصرية والفرنسية، شارحا ما تتمتع به المرأة الفرنسية من مشاركه للرجل في الحقوق والواجبات،ومشيرا إلى أن ذلك لا ينتقص من قدر المرأة او يقلل من عفتها، إضافة إلى تطرقة لكون الحياة الزوجية رباطا يجب أن يقوم على الاحترام المتبادل والمشاركة في شتى المجالات، لا على الاستعباد وبسط نفوذ الرجل.

اما أحمد فارس الشدياق، 1804-1887، وهو الشاعر وعالم اللغة والأدب اللبناني، الذي لقب بنصير المرأة، فقد سبق قاسم أمين بسنوات في دفاعه عن حقوق المرأة والمطالبة بها، وكان من المهاجمين الشرسين لتعدد الزوجات. وتجلى دعمه للمرأة في كتابه "الساق على الساق فيما هو الفرياق" الذي تناول فيه مسألة تحرير المرأة والمطالبة بحقوقها.

ولم يكن دور الشاعر والفيلسوف العراقي جميل صدقي الزهاوي أقل أهميه في مطالبته بدعم المرأة وتحررها، مطالبا إياها في قصائده بالخروج والتمرد على عادات المجتمع وتقاليده، دون أن تأبه لاتهامها بالفجور والفسق.

ولا يمكننا أن نتحدث عن رجال كانت لهم بصماتهم في المطالبة بحقوق المرأة وإنارة طريقها، دون أن نذكرالشاعر والكاتب العراقي الكبير معروف الرصافي، 1875-1945، الذي تحدث عن حقوق المرأة وأهمية تحررها في صوره الشعرية الجميلة، وكلماته الراقية المنتقاة، فقد كرس الكثير من قصائده لرفع شأن المرأة والإشادة بها كونها عضوا مهما وفاعلا في المجتمع العراقي آنذاك، كما في ديوانه "نسائيات".

وفي نهاية المطاف لا يسعني سوى أن أختم ببعض أبياته الشعرية الرائعة:

يقولون: إن النساء نواقص ويدلون    في ما هم يقولون بالسمع

فأنكرت ما قالوه والعقل شاهدي   وما أنا في إنكار ذلك بالبدع

إذا النخلة العيطاء أصبح طلعها   ضعيفا فليس اللوم في هذا على الطلع

ولكنما الجذع الذي هو ثابت     بمنبت سوء فالنقيصة بالجذع

 

اخترنا لكم
عماد ابو الفتوح عندما عرفت أن الرواية القا...
سلمى أمين هل تمنّيت يومًا أن تتحدّث أكثر م...
 هند الجندي ينظر معظم الناس للأذكياء...
لينا العطّار/  اخترنا لكم من اراجيك...
بقلم: تركي المالكي الحياة مليئة بالجمال وا...
اخترنا لكم هدى قضاض- اراجيك  يعد ا...
منوعات
نغم كراجه/غزة يواجه الشباب صعوبة في إيجاد...
رغد السقا/غزة يمر ذوي الإعاقة بظروف نفسية...
سها سكر/غزة "لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أ...
نغم كراجة/غزة "أمي لم تفِ بوعدها، أخب...
إسراء صلاح/غزة هنا غزة المدينة المنكوب...
عرين سنقرط/القدس ربما قطار الفرح في مدينتي...