إسراء صلاح/ غزة
يخلق الطفل في رحم أمه منحنياً لا يمكنه أن يقوم نفسه بنفسه هذا الانحناء والضعف أمر فطري يتطور معه حسب سنه وظروفه التي سيعيشها، فالطفل منذ ولادته والخوف في كينونته، فهو يخرج إلى العالم باكيًا لأن كل شيء حوله تغير، ولن يشعر بالأمان إلا مع والديه فقط، فهو ضعيف يخاف من كل شيء يحيط به كالأشخاص الغرباء والصوت العالي والوحدة، وهذا الضعف يكبر معه ولا يقويه إلا الآباء.
لكن نجد كثيرون يربون أبناءهم على الخوف، ونرى أن بعض الآباء ينسون أنهم المرشد الوحيد لأطفالهم في هذه الحياة، ولكنهم يعتمدون معهم أسلوب التخويف والعقاب جراء تصرفاتهم الخاطئة ظنًا منهم أنهم يفهمون العالم الخارجي جيداً!
يوما ما كنت أتمشى في أزقة المخيم الضيقة فسمعت أباً يوبخ ابنه الباكي بلهجة حادة جداً، لم أفهم ماذا فعل لكن حجم التهديد والإهانة توحي بارتكابه جريمة بشعة، وقفت لأفهم سبب كل هذا لكنه أنهى جلسته بأنه سيحرمه من الخروج واللعب!
ألا يدرك هذا الأب أن الحوار والتفاهم أكثر فعالية مما يفعله من صراخ وتوبيخ، مهما كان التصرف خاطئاً للطفل،علمه كيف يفعل الصواب حباً لا خوفاً، فتقويم الخطأ مرة ومرتان وثلاثة أقوى من كل هذا التخويف والردع، إنهم صغار لن يقدروا على استيعاب هذا العالم المعقد.
من منا لم يسمع حينما كان طفلا بغرفة الفئران في المدرسة التي كان يهدَّد بها الطالب إذا فعل سلوكا سيئا أو لم يكتب وظائفه المدرسية، وحكاية المعلم الشهيرة وأنه يجب علينا أن نرتجف خوفاً منه عند رؤيته،الذي كان في زمانه يشعر بالخوف من معلميه لدرجة أنه لو صادفهم غيّر الطريق، المضحك أن نظرية الخوف هذه يتباهى بها جميع المعلمين كأنها حصاد لمشروع تربية ناجح .. ماذا لو كانت الحكاية هي العكس وهي أن يرى الطفل أو الطالب معلمه ويبتسم له ويفرح لرؤيته ويذهب ليسلم عليه أليس هذا احتراماً أيضاً، لماذا يصروّن على زرع الخوف داخل العقول الصغيرة؟
فلا زال الخوف تقليدًا قديمًا ومقدسًا، نتعلمه منذ الصغر، يسقيه لنا الأب والمعلم والسلطان، فالفشل هو مخاوفنا الصغيرة التي قاموا بتغذيتها وستظل تكبر شيئًا فشيئًا حتى تتغذى على شخصياتنا.
ألقى الدكتور محمد راتب النابلسي في أحدى محاضراته موضوعا حول أخطاء الأبناء، حيث قال فيها:"معظم أخطاء الأولاد سببها أخطاء الآباء والأمهات؛ فالطفل كالعجينة، الطفل كائن بريء، إن كذبت أمامه علمته الكذب وإن أهملت الصلاة أمامه علمته التهاون بالصلاة وإن تكلمت كلمة قاسية أو بذيئة علمته هذا الكلام وأنا أعزو معظم أخطاء الطلاب في المدارس إلى المعلمين ومعظم أخطاء الأبناء في البيوت إلى الآباء والأمهات، فقبل أن تغضب وقبل أن تصب جام غضبك على ابنك انتبه قد تكون أنت السبب".
وبناء على ما سبق يمكن القول أن الخوف أكبر عدو لمضيّ الإنسان قُدُماً، فكلما تجرّع الخوف قلب الطفل في البيت والمدرسة والشارع وبالتالي ستتفاقم الآثار السلبية على صحته الجسدية والعقلية والنفسية وستقلّ ثمرة الإبداع فيه.
لذلك عزيزي سواء كنت أبًا أو معلمًا أو مسؤولاً؛ عليك أن تعتني جيدًا بالبذور التي بين يديك فهي تحتاج للرعاية والأمان والاعتناء السليم، حتى يتسنى لك رؤية ابنك بعد عشرين عاما واثقًا من نفسه وقادراً على اتخاذ القرار الصحيح وأهلاً للآمال والأمنيات التي وضعتها فيه.
- الصورة من الإنترنت