نهاية أبو خاطر/بيالارا
هي قادرة على أن تعبر عن مشاعرها بوضوح، فهي تحمل بعفوية حقيبة ذكرياتها مع الميدان، وتوزع طاقة إيجابية قوية. تعشق عملها، وتصدح بصوت إعلامي ملائكي: أنا كرستين ريناوي؛ بنت القدس، تفوح مني باستمرار مشاعر لا تصفها كلمات، لأني أستمد قوتي من الخشوع الذي يملأني في الكنيسة، وطهر روحي في المسجد؛ فالمشاعر تمس كل مقدسي لدرجة العبادة.
كعادتها تبادر للعطاء، وتسرد المعلومة والسؤال بمحبة، ولا تتردد في توضيح الرسالة. والأهم أن تجربتها الميدانيةسمحت لنا أن نشاركها مقولاتها، ونلتقيها لنستمتع بحكايتها:
من هي كرستين؟
ولدت في القدس وأحببتها.ومنذ نعومةأظفاريأردت أن أقدملها شيئا،فقررت أن أعمل مراسلة لتلفريون فلسطين من القدس؛ لأرفع صوت أهلها الذين لا صوت لهم سوى هذا المنبر؛ ليعبروا عبر شاشته عن معاناتهم تحت احتلال طويل يحاربهم في كل شيء: سكنهم، ولقمة عيشهم، وتعليمهم، وعملهم، وتجارتهم، وحتى حياتهم اليوميه. في صراع لا تبدو له نهايه في الأفق، كنتأحد ضحاياه مؤخرا،بعد أن اعتقلتني قوات الاحتلال لمجرد أنني أنقل صوت القدس ومعاناة أهلها، ومنعي من العمل مع تلفزيون فلسطين، معتقدين أنهم بذلك قد يخمدون هذا الصوت.
بروفايل كرستين ريناوي
بكالوريوس إعلام تخصص تلفزيون/ جامعة أبوديس 2007-2011
منحة دراسية في النرويج لدراسة إخراج الأفلام لمدة 6 أشهر
مراسلة لبرنامج صباح الخير يا قدس/ ومن ثم مراسله لقسم الأخبار في تلفزيون فلسطين وهي على رأس عملها حتى الآن
تستكمل حاليا دراساتها العليا في برنامج الماجستير في الإعلام الرقمي والاتصال بجامعة القدس، وهو أول برنامج ماجستير في الإعلام داخل البلاد.
حدثينا عن بداياتك كمراسلة في الميدان؟
للإعلام محبة وشغف في قلبي لا يتوقفان. وكانت خطواتي الأولى قبل التخرج في كلية الإعلام خلال التدريب لدى عدد من المؤسسات الإعلامية، حيث أقحمت نفسي في هذا المجال لإحساسي العالي بأهمية وصول أصواتنا، وتحميل كل الحقائق المطلوبة منا كشعب فلسطيني عامة، وكمقدسيين خاصة.
وأنا منذ عشر سنوات تقريبا كنت يوميا في الميدان بين الناس، يستدعيني من تقوم سلطات الاحتلال بهدم بيته، ومن أصيب في الأحداث، ومن يشعر بفرحة الإفراج عن معتقل، ووالد الشهيد. أنا بنت كل بيت مقدسي؛ أحمل همه، وأعطي من قلبي في تغطية الأحداث، ولا أستطيع احتساب أوقاتي بساعات العمل، فكل أوقاتي عمل؛ مثلي مثل أي صحفي فلسطيني يحمل هم كل خبر يصله؛ لأنه مسؤول عن عملية نقله للإعلام بأمانة. وأوكد على مقولة إن "الصحفي الفلسطيني لن يكون موظفا ولا بأي صورة إذا أراد الوصول للحقيقة؛ لأن فلسطين شعلة من الأحداث المستمرة ليلا ونهارا".
ما هي أهم المحطات التي شاركت فيها؟
خلال العدوان على غزة عام 2014، رابطت لمدة 52 يوما على الحدود. كان الخطر شديدا، وتلقينا تهديدات، وتم إطلاق الرصاص علينا. وكانت قلوبنا تتوجع على من تسقط عليهم النيران. ولولا تفهم الأهل ما شاركت.
كذلك كنت هناك خلال أحداث الأقصى، وباب الرحمة، ومعركة البوابات، والهجوم الدائم على المصلين. وفي الخان الأحمر رابطت أربعة أشهر ليل ونهارا. وكذلك كان الخطر شديدا، ويمكن أن يجري الهدم في أي وقت، ويجب التواجد لتوثيق الجريمة.
وقمت بتغطية أخبار الشهيد محمد ابو خضير عام 2014، حيث تم استهدافنا مباشرة بالرصاص المطاطي، ولكننا عدنا إلى المكان بعد ساعة من العلاج. وفي 2015 هبة السكاكين، وخلع الحجاب عن المرابطات، وقد استهدفتنا قوات الاحتلال بقنبلة غاز أصابت شظاياها عيني، ولكني تابعت التقرير، ثم توجهت للعلاج.
محطاتنا طويلة، نتحمل خلالها كل الأوجاع التي يعيشها شعبي، وكل الغضب الذي نحمله في صدورنا عند رؤية الأطفال الشهداء، والبيوت المهدمة، والعيون التي تستصرخ العالم ليسمع صوتها. ولن يمنعنا شيء عن تغطية الأحداث. فحتى إغلاق المقر الرئيس، ومنعنا من التقديم في الشوارع، لن يوقفا نبضنا بنقل الحقائق، ومثلي كمثل أي مقدسي؛ لن نسمح لأنفسنا أن نبقى داخل إطار زجاجي؛ فنحن نعشق مدينة كل ترابها مقدس.
ما التحديات التي تواجه كرستين في العمل الإعلامي؟
التحدي الأول في الحياة يكمن دائما في الموازنة بين العقل والقلب. وقد وجدت الاتزان القلبي، والحمد لله، في العائلة، خاصة في والدتي، التي تحمل همي باستمرار، وتدعمني بالدعاء والاهتمام الدائم.
ووجدت توازن العقل بانتمائي العالي لقضية وطن يحمله قلب مدينة القدس؛ فأنا كغيري من المقدسيين أعشق تراب القدس، وأعشق هواءها، لذلك فإن كل من في القدس عائلتي، وكل حدث فيها يهمني، وكل وجع فيها يقويني لأصمد وأظهر الحقيقة. وللعلم فإن من يعيش في القدس يستطيع أن يصبح كل شيء؛ لأنها مدينة المعجزات، تقويك بحبها، وتدعمك بصمود أسوارها، وترفعك للسماء بإيمانها أنك تستحق الجنة.
ما هو طموح كرستين؟
تعزيز مشاعري مع الناس وفي كل مكان في القدس، فطموحي دائما نيل رضاهم.
هل حصلت على جوائز خلال سنوات عملك؟
كثيرة هي، لكنني أذكر منها: جائزة جامعة الدول العربية لـ"أفضل شخصية تقدم أعمالا تخدم القدس 2019"، وعدة جوائز من اتحاد الإذاعات في تونس، ومهرجان الأردن. إضافة للعديد من التكريمات التي حصلت عليها بعد كل جهد وتعب، سواء في الخان الأحمر، أم باب الرحمة.
ما النصيحة التي توجهينها للشباب والصبايا؟
الصحفي هو جندي في الميدان، يحمل أمانة كبيرة، وحمله ثقيل، ومن يفكر بمهنة الصحافة يجب أن يكون على قدر المسؤولية، والقاعدة المجربة للنجاح "يجب أن تزرع الجهد لتحصد النجاح، والوصول للنجاح يعني عدم التعريف عن الذات".