قمر الشريف وسوزان الطريفي
طالبتا إعلام في جامعة بيرزيت
"اصحى يا محمد الدار بتولع" صرخت أسمهان محاولة إيقاظ زوجها النائم بعد إدراكها أن رائحة الحريق التي تسللت إلى أنفاسها ليست من قنابل الغاز التي اعتادت عليها بفعل المواجهات التي تحصل عادة بين الشبان وجنود الاحتلال، ثوان وتشكل دخان كثيف، نظرت أسمهان إلى التلفاز وإذ به يشتعل نيراناً امتدت والتهمت ظهر الثلاجة.
تقول: "دخلت على الحمام أجيب دلو مي سمعت صوت انفجار في الدار، محمد بلش يصرخ اتركي كل شي بسرعة اطلعي أنت والأولاد، طلعنا عند الجيران واتصلوا على الإطفاء، وما عرفنا نرجع لأن الدخان الأسود والنار أكلت الدار"
وتتابع: "محمد نزل وهو حافي لمركز الإطفاء ووصل عندهم، ووجد رجال الإطفاء ببحثوا على مفاتيح سيارة الإطفاء، ورجع على البيت مرة ثانية وهم لسا مش واصلين"
عاد محمد إلى البيت ولحق به رجل إطفاء وعلى ظهره مطفأة حريق، حاول من خلالها إخماد النيران إلا أنها التهمت البيت وتعجز قدرة هذه المطفأة عن إخمادها، مرت نصف ساعة إلى أن وصلت سيارة الإطفاء والطاقم الذي استغرق المزيد من الوقت ليفكر بطريقة يدخل بها إلى البيت لإخماد النار.
وتقول بأن النار أطفئت في معظم أرجاء البيت، إلا أن أسطوانة الغاز بقيت مشتعلة وأخذ رجال الإطفاء ينذرون بضرورة إخلاء العمارة جميعها لأن أسطوانة الغاز ستنفجر بأية لحظة، وتقول: "صرت أسال فيهم كيف نخلي؟ من وين بدنا نطلع؟ وإحنا عند الجيران الي بفصل بيتنا عن بيتهم حيط!، حاولنا نطلع بس الدخان الأسود كان يهب في وجهنا كل ما فتحنا الباب ومفش سلم للطوارىء ولا مخرج، بعد ساعتين من الخوف والقلق قدر الإطفاء يخمد النار".
ثقافة المجتمع تمنع بناء السلالم!
ولأن العبء الأكبر في حماية أرواح الناس من أي عائق يقع على عاتق الدفاع المدني، توجهنا إلى مدير إدارة الوقاية والسلامة العامة في جهاز الدفاع المدني حسن ضراغمة، وقد أكد لنا أن انعدام وجود سلالم للطوارئ يعود إلى الثقافة العامة للناس وذلك لاعتقادهم أن سلبياته أكثر من إيجابياته ومنها الخوف من السرقة وحرمة البيت، بالإضافة إلى تكلفة بناء السلالم الباهظة، ووضح ضراغمة أن أصحاب المباني السكنية لديهم حرص شديد على عدم خسارة مساحة ولو غرفة صغيرة من شقق المبنى، وبناء سلم طوارئ سيضطر صاحب العمارة التضحية بشقة سكنية في كل طابق.
وأوضح ضراغمة أن الدور الأكبر الذي يلعبه الدفاع المدني من أجل ترخيص المباني السكينة هو التأكد من شروط السلامة العامة الكاملة، كوجود المطافئ والمضخات في حال حدوث الحرائق، والتأكد من عمل المصعد الكهربائي، ووجود مخرجين واحد للاستعمال اليومي وآخر للطوارئ وذلك للمباني السكنية التي يزيد عدد شققها عن ست عشرة شقة، ومن يخالف هذه الشروط بعد المراقبة يقدم له إخطار وقف البناء وفي حال عدم الالتزام يحول للمحكمة مباشرة.
وأشار ضراغمة أن نسبة الحرائق في المنازل لعام 2016 بلغت 4% من مجموع الحرائق بأنواعها، أي ما يقارب 564 منزل في الضفة الغربية.
موقف أصحاب المباني
وبدوره بين مالك إسكانات "البزار" في رام الله غازي النوري، أنه لا يتطلب وضع سلم الطوارئ بشكل جازم في الشقق التي نعدها للبناء كونها لا تتعدى 20 شقة سكنية، ولم يختلف موقفه عن موقف الدفاع المدني بشأن مساوئ سلم الطوارئ، موضحاً أن العمارة التي يزيد فيها العدد عن 15 شقة يتم تزويدها "ببيتين درج" وفي حال حدوث أي حريق يتم تشغيل الإنذار فورا، وتعمل المضخات الموصولة في المبنى، ويستخدم الدفاع المدني السلم المتحرك.
ومن جهته، قال مسؤول الإعلام والعلاقات العامة في شركة "ربحي الحجة للعقارات" عصام حرفوش: "إن سلم الطوارئ يتم وضعه في المباني التي فيها 30 شقة بالإضافة إلى بيتين درج، لكن السلم يكون داخلي ويشغل حيز شقة سكنية".
يذكر أن جهاز الدفاع المدني أصدر عام 2013 قراراً يقضي بضرورة بناء مخرج طوارئ لكل مبنى يزيد ارتفاعه عن 16 مترًا، أي ما يعادل 5 طوابق وأكثر، وألزم البلديات بعدم إعطاء تراخيص بناء لمباني مرتفعة إلا بعد موافقة الدفاع المدني على شروط السلامة في المبنى، وهذا القانون يطبق، إلا أن البند الذي اشتمل على ضرورة معاينة جهاز الدفاع المدني للمباني القديمة وتقديمه طلباً لأصحاب المباني بضرورة بناء درج طوارئ يطبق وفقا للمصالح والأهواء، ويطبق حسب قرار المحكمة .
دور البلدية يقتصر على الجوانب الفنية
بينت المادة (38) من قانون تنظيم المدن والقرى والأبنية رقم (71) لسنة (1966) أنه يجب توجيه إخطار لكل شخص لم يلتزم بالشروط والمتطلبات التي تحويها الرخصة هذا ما أشار إليه رئيس قسم رقابة الأبنية في بلدية البيرة أشرف صايل، فأي رخصة يجب أن يتبين فيها مخطط البناء من حيث الأرض وما تحويه من تشييد وبناء ومساحة وعدد طوابق، والنظر في احتوائه على بيوت للدرج ومصاعد وتدفئة وتكييف، وفي ضوء ذلك أوضح: "ننظر في الرخصة بعد أخذ الموافقة من نقابة المهندسين على المخطط ثم الدفاع المدني بما يخص شروط السلامة العامة".
وبين صايل أن الدور الرقابي للبلدية يكون عن طريق لجنة مكونة من (4) أشخاص تقوم بدورها بشكل دوري، وتنظر في المخالفات الخارجة عن رخصة البناء، هل تمت وفق المخطط من ناحية التزام الشخص بالبعد عن الجيران والارتدادات، ووجود إمدادات مياه ومجاري للصرف الصحي، وإذا ما تبين أي مخالفات يصدر بحقه إخطار تنفيذي، ويتحرك قسم التنفيذ لوقف إجراءات العمل بالتعاون مع الشرطة.
وفي سؤاله عن شروط السلامة العامة ومخارج الطوارئ أكد: "إن دورنا يقتصر على النواحي الفنية من حيث توافر المرافق العامة في الإسكان وساحات خضراء ومواقف للسيارات، أما فيما يتعلق بالسلامة العامة فهي من اختصاص الدفاع المدني"، وأضاف أنه في حال كانت إجراءات السلامة العامة بما فيها سلالم الطوارئ مرفقة مع المخطط فإن الدور الرقابي يمتد ليشملها.
15 اجتماعا ولم نجد حلا
وخلال إعدادنا هذا التحقيق توجهنا إلى رئيس لجنة نقابة المهندسين أنس الهودلي؛ وبين لنا أن مهمة النقابة تكمن في فحص المخططات الهندسية الخاصة بالأبنية والتأكد من مطابقتها للمواصفات ومقاييس الجودة العالمية فقط، أما أمور شروط السلامة العامة لا ننظر في تدقيقها فهي من اختصاص الدفاع المدني.
رغم أن السلامة العامة تخرج عن اختصاص نقابة المهندسين، إلا أن الهودلي أكد على محاولات عديدة من النقابة والدفاع المدني للوصول إلى اتفاق وإيجاد نظام يلتزم به المهندسون لأخذ شروط السلامة العامة عند وضع مخططات البناء: "اجتمعنا بما يزيد عن (15) مرة للتوصل إلى تعليمات مشتركة تحوي شروط السلامة العامة في المباني لتعميمها على المكاتب للالتزام بها، لأنه إذا ما تم الأخذ بذلك تحول المخططات إلى البلدية مستوفية كافة الشروط".
وأشار الهودلي أن العمل على محاولة إيجاد تعليمات مخصصة مازال مستمرا، لأن الحال الفلسطيني يفتقر إلى وجود قانون ينظم شروط السلامة العامة، وطريقة دراستها وفحصها، ليكون دور وعمل الدفاع المدني واضحا ومنظما.
5526 حالة حريق بسبب إهمال السكان والعدد يزداد، ولا وجود لإجراءات وقائية حتى الآن تحمي المواطنين من خطر الحرائق وتلزم الأطراف المسئولة باتخاذ الحلول الممكنة.
