غدير منصور / بيالارا
لم يكن شائعا في يوم من الأيام أن كانت هناك امرأة برتبة مختار أو عمدة، فهما من الأدوار التي احتكرها رجال، شهد الناس برجاحة عقولهم وسداد رأيهم، ولما أصبح تعليم المرأة سائدا، وعملها في كافة التخصصات ممكنا، أصبح المختار وحلال المشاكل، والمدافع والمرافع، امرأة ورجل بمسمى وظيفي آخر، هو "المحامي". ولأن للمحامية المرأة خصوصية تنبع من جعلها تقف في مكان قيادي ودفاعي بحت، لإنصاف المظلوم وإحقاق الحق.. نتساءل: هل استطاعت المحامية في فلسطين أن تنتزع حقها في ممارسة مهنتها دون تمييز؟ أم استكانت تحت وطأة تحجيم المجتمع للمرأة بصور نمطية تستهين بقدراتها على الفعل والإنجاز؟
التهمة: محامية
تقول المحامية ميس عزيز: "تقوم النظرة المجتمعية السائدة على تفضيل الغالبية للمحامي أكثر من المحامية؛ اعتقادا منهم بأن المحامي أجدر، علما أن هذا التمييز لا يقتصر على المواطن، بل هو نظرة بعض المحامين الذين يستخفون بترافع امرأة ضد موكليهم".
وتذكر ميس أمثلة على أشكال التمييز ضد المحاميات، ومنها رفض أحد مراكز الشرطة أن تكفل إحدى المحاميات موكلها، ولا تنتصر المرأة للمرأة فيفضل كثير من النساء توكيل محام.
وهذا يعني أن التمييز يشمل المواطنين والموطنات، والمؤسسات ومراكز الشرطة. وتوضح أن المحاميات رغم كل المعيقات أثبتن جدارة وتفوقا في عملهن، واشتهرن، وتميزن، فتمكنت المحامية من استقطاب الموكلين، وحظيت بتفضيل الكثيرين.
وترى أن بعض الناس يتجاوزون المحامية في تسيير القضايا لأسباب تتعلق بقدرة المحامي أكثر على إنجازها؛ كالقضايا التي تتطلب التنقل بين المحافظات، خاصة ما يتعلق بالأراضي والعقارات والميراث وغيرها. وتتابع: "لكن ذلك لا ينقص كفاءة المحامية، ولا يبرر النظرة المجتمعية لها؛ لأنها أثبتت جدارتها في هذه المجالات أكثر من المحامي". وتتابع: "كما إن كثيرا من المحاميات يقنعن أنفسهن بوظائف حقوقية ذات طابع مؤسساتي ليتمكن من المواءمة بين العائلة والعمل، وليس لضعفهن في مهنة المحاماة".
الإنجازات تشهد
وتدعم المحامية رقية مراد هذا التوجه، حين تؤكد على أن بعض الناس أصبحوا يفضلون وضع ملفاتهم في أيدي محاميات؛ لأنهن يحرصن على الوقت والإنجاز، وقد أثبتن كفاءة أكثر من المحامين في المهام الإدراية والمكتبية. وتعتبر أن التمييز ضد المحامية لم يعد كما كان عليه في السابق، وتقول: "ربما يعود تفضيل بعض الناس للمحامين الذكور في قضايا الشرف، والقضايا الجنائية؛ خاصة لأنهم يتمتعون بأسماء عريقة ذات خبرة في القضايا الكبيرة والمهمة، وغالبا هذه الأسماء تكون لمحامين ذكور". وتوضح أن في مهنة المحاماة السمعة الطيبة والكفاءة والشخصية تبرز الفارق، وتكمل: "استطاعت المحامية أن تثبت نفسها عن جدارة واستحقاق، وفرضت نفسها، بدليل أنني مسؤولة عن سبعة محامين، منهم محامية واحدة أراها أجدر وأكثر كفاءة منهم".
أما المحامية سهى نتاشة فترى أن المحاميات تجاوزن نظرة المجتمع الدونية، وأن الموضوع يعتمد بشكل أكبر على المحامية نفسها؛ حيث تقول: "هناك الكثير من المحاميات اللواتي استطعن تحقيق نجاحات أشاد بها المجتمع، وفي المقابل هناك الكثير من المحامين العاطلين عن العمل، فمن أراد أن ينجح لا يعيقه المجتمع أو غيره". وتؤكد على أن المحامية الذكية تستطيع أن تنتزع أي قضية مهما كانت أهميتها؛ فليست هناك قضايا حكرا على الرجل إذا ما توفرت الإرادة لدى المحامية.
وتذكر أن أعداد الطالبات في تخصص المحاماة أضعاف أعداد الطلاب، مما يدلل على أن مهنة المحاماة غير محاصرة من المجتمع كما كانت عليه السابق، بفضل وعي المحاميات وجدارتهن وقدرتهن على المنافسة. وتضيف: "ولكن رغم كل المؤشرات الإيجابية، إلا أن هناك كثيرا من المحامين الذين لا يزالون يحملون انطباعا جزافيا بأن المحامية ضعيفة، وقدراتها متواضعة، وهذا سببه طبيعة الرجال الذين يخاطبون المرأة من موقع السيطرة والتسلط".
وليس أدل على صحة آراء المحاميات من الإنجازات الكبيرة التي حققتها المحامية الفلسطينية، ومنها الإنجاز الكبير الذي حققته المحامية نائلة عطية؛ رئيسة الوحدة القانونية لمتابعة الانتهاكات الإسرائيلية، الذي تمثل بتحرير 714 دونما سيطر عليها الاحتلال الإسرائيلي عليها، وحولها إلى مناطق عسكرية بعد حرب حزيران.
كما إن منح الجائزة الأولى للمحامية منى أبو سنينة من القدس في القضية التي ترافعت فيها بعنوان: "حقوق ذوي الإعاقة: الغائبون عن الحياة، هل من مجيب"؟ وذلك خلال المسابقة الدولية الثالثة لأفضل مرافعات في حقوق الإنسان، تعتبر برهانا آخر على تميز المحامية الفلسطينية وقدرتها على تحقيق النجاح والتفوق على مستوى محلي وعالمي.
وتعد الشجاعة النادرة التي قادت فيها المحامية الفلسطينية الشابة شيرين العيساوي معركة ضارية ضد الاحتلال الإسرائيلي وسلطاته العنصرية على أكثر من صعيد، نصرة لشقيقها الأسير سامر العيساوي، مثالا آخر يدلل على صلابة المحامية الفلسطينية وتفوقها.
إن ما حققته المحامية من تفوق قلب رؤية المجتمع، أو خفف من حدتها بشكل كبير، يجعلنا نفكر بجدية في أن ميراثنا من تقاليد وعادات المجتمع، خاصة التي تستخف بالمرأة، يجب أن تخضع لنقد ومراجعة، وإمكانية التغلب على العادات المجتمعية السلبية تتأتى بالعمل والإنجاز الذي يدلل على العكس، مع التنويه إلى أن انتزاع مبرر لتفضيل المحامي في قضية ما، يختلف تماما عن انتشار نظرة مجتمعية تحط من شأن المرأة، وتستهين بها جملة وتفصيلا. ولنقس هذا الأمر على كافة الوظائف التي باتت تشغلها المرأة.