إيمان عمار/ مصر
فتاة لم تفارق النضارة وجهها، تناجي ربها بعيون مقفلة، وشاب يافع يرتدي بدلة سوداء يمسك يديها، يتأمل فستانها الأبيض، يصمت لدقائق هائما في عينيها، لترتسم ابتسامة هادئة على شفتيها، فتنطلق الزغاريد من المحيطين، وتمتلئ الدنيا بهجة، تمسك يد زوجها الذي انتظرته طويلا بعدما اعتقدت أنه لن يأتي، وظمن أن "فاتها" قطار الزواج. فجأة أصابع خفيفة تطرق كتفيها فتفتح عينيها لتصحو من غفوتها، وتلتفت فتجد نفسها ما زالت في ضريح الشيخ أحمد أبو حسيبة، ومسن يقول لها: "هل أنت بخير يا ابنتي"؟
تعجز الفتاة عن الكلام، وتتوجه لربها تشكو حزنها، وتدعوه أن يرزقها زوجا صالحا.. ذلك هو حال كثير من فتيات صعيد مصر ممن يقصدن مقام الشيخ أبو حسيبة، الشهير بـ"النسوانجى"، الذي يقع في مركز أبو تيج بمحافظة أسيوط.
وتقصد النساء الضريح اعتقادا منهن بقدرته على حل مشكلة تأخر زواجهن او "العنوسة" كما ينعته البعض، وجلب الحبيب، وفك السحر، والشفاء من الأمراض، وتغيير الطالع.
تقول أم أحمد، 33 عاما، خريجة معهد فني: "كنت إحدى مريدات الشيخ أبو حسيبة حين فاتني قطار الزواج، وأيقنت أنني أقف على رصيف "العوانس"، بعد أن صرت في العقد الثالث من عمري دون زواج". وتوضح أنها كانت دائما تتردد على أضرحة الشيوخ، ولم تترك ضريحا إلا زارته، حتى وصلت إلى ضريح أبو حسيبة، بعد أن أقنعتها جارتها أنها مصابة بسحر عدم الزواج.
وتضيف أنها بعد زيارتها للشيخ أبو حسيبة تقدم لها خلال أسبوع شاب في نفس عمرها، وعلى خلق حسن، و"تم الزواج بفضل الله، ثم الشيخ، ورزقت بطفلي الأول أحمد، ومن بعده فاطمة"، وهي تتذكر دوما زيارتها لهذا الضريح.
وتؤكد شمس علي، 22 عاما؛ الطالبة الجامعية، أنها لجأت لمقام الشيخ أبو حسيبة بعد أن سمعت عن "كراماته الكثيرة، وتحقيقه لأمنيات الفتيات في الزواج، خاصة وأن عمري تخطى 22 عاما، ولم تتم خطبتي"، وهذا السن يعتبر بداية عمر العنوسة في قرى الصعيد!
وتضيف أنها عند زيارتها للمقام دعت كثيرا أن يرزقها الله بزوج صالح، وحدث ما كانت تتمناه، ففي نفس اليوم تقدم لها أحد أصدقاء أخيها، وهو محام، وقالت: "عقلي كان ها يطير من المفاجأة". وتساءلت: "كيف لهذا المقام أن يكون له هذا التأثير"؟!
وقد استفسرت عن هذه الواقعة من أحد علماء الدين، فأكد لها أنها مجرد صدفة، وأن الشيطان يريد أن يغوي المؤمنين ليلجأوا لغير الله في الدعاء والتوسل والاستعانة، وقالت: "مرت علي أيام كنت فيها وأهلي فرحين بالفعل بقرب الزواج، ولكن الموضوع لم يكتمل، وتأكدت أن كل ما حدث كان من قبيل الصدفة فقط".
ولم يقتصر الأمر على النساء فحسب، بل وصل إلى الرجال ممن تخطوا عمر الزواج، حيث يؤكد بهاء محمود؛ وهو عامل في شركة للمعسل والدخان، أنه تأخر في الزواج حتى قارب عمره الأربعين عاما، وحينها نصحه بعضهم بمقام أبو حسيبة، فلجأ إليه، ولم ينتظر سوى نصف ساعة، وعند مدخل المقام، التقى بمجموعة من أقاربه، بينهم فتاة وقع في حبها من أول نظرة. ويقول: "تقدمت للفتاة وخطبتها، ولم يمر شهران حتى تم الزواج". ويشير إلى أنه ما زال يزور أبو حسيبه حتى الآن، ويقدم له "ما فيه النصيب".
ويقع مقام "أحمد أبو حسيبة"، الشهير بـ"النسوانجي"، بجوار مقام "الشيخ الفرغل"؛ أحد أشهر الأضرحة بمحافظة أسيوط، وقد عرف عن الأول أنه كان رئيس حكومة لدى أحد السلاطين، ربطته به صلة قرابة، وشيد مقامه منذ أكثر من 400 عام، بعدما ظهرت كرامته في نفس الموقع، حيث لم يستطيع أحد من حاملي الجثمان إزاحته عن مكان اختياره.
وتقام ليلة الاحتفال بمولد أبو حسيبة عقب مرور 15 ليلة على مولد الشيخ الفرغل، كما إن زيارته متاحة أيام الجمع وفي ليلة المولد، وتكثر النساء من زيارته حتى إن الأهالي أطلقوا عليه "شيخ النسوان"، أو "النسوانجي"؛ لأن معظم مريديه، وبالذات السيدات، خاصة في ليلة الاحتفال بمولده.