وفاء أبو عرة – الجامعة العربية الأمريكية - جنين
تصرّ غزة على تعليمنا دروساً بالصبر والتشبث بخيوط الأمل ومعاني الحياة، ومهما كان شكل الجغرافيا فإنها لن تكون حاجزًا لإكمال الحلم حتى ولو دثرته آلة الحرب تحت الركام، الشاب عبد الله العزاوي يعيد الحسابات لكل من اعتبر الظروف عائقاً أمام مسيرته وينطلق بعيدا نحو الآمل.
ينتقل عبد الله للعمل في الداخل المحتل قبل أحداث السابع من أكتوبر، ليجمع قرشه الحلال، ويعود إلى أهله كباقي الشباب. لم يكن يعلم بأن العودة ليست بالأمر السهل، وأنها ستستمر لأشهر طويلة. اضطر العزاوي للخروج وترك عمله في الداخل إلى الضفة الغربية؛ كما فعل العمال، استقر عبد الله في جنين، حاله كحال الآلاف من العمال الفلسطينيين الذين وجدوا في الضفة ملجأً مع اندلاع الحرب في غزة.
يمتلك عبد الله محلات كبيرة للأحذية في شمال القطاع، بجودتها المنافسة، وتشكيلتها الواسعة. تعب متراكم لبنائها، وجهد كبير لصنع الاسم وتثبيت العلامة التجارية. اندثر الحلم تحت الركام، حيث استهدف القصف الأفرع الخاصة بعبد الله، وانهاها عن بكرة لكن هذا لم ينهي الأمل، ولم يعد عبد الله إلى نقطة الصفر!
يغيب عن الأذهان أن للفلسطيني أساليبه الخاصة التي تميزها روح المثابرة، وقلبه المتشبث بأرضه بشتى الطرق. إذ توجه عبد الله إلى سوق الأمل في جنين وأخذ زاوية مناسبة، وافتتح كشك خاص بيع الأحذية، يستقبل الناس بابتسامة غزاوية، وبروح تعلم من يقابلها أساسيات العيش الفلسطيني، ودروس بحب العمل والانتماء له.
أعلن الغزاوي عن افتتاح الكشك عن طريق تطبيق "تيك توك" ووصل الفيديو إلى الآف المشاهدين، الأمر الذي ساعده في صنع اسمه من جديد، وفي مدينة جديدة بذات المجال وبخبرته السابقة والمتجددة.
يقول عبد الله: "لم أشعر أنني في مدينة أخرى، جنين وأهلها مثل غزة، كرماء ويحبون الضيوف، كان اختيارا موفقا عندما أدركت أن البلاد واحدة، وأنني بافتتاحي لهذا الكشك سأشعر أنني بين أهلي وأحبائي".
تعبر قصة عبد الله الغزاوي ليست فقط عن تجاوز الصعاب، بل هي شهادة على قدرة الروح الإنسانية على التكيف والازدهار في مواجهة التحديات، ولعل ما يشعر به عبد الله من راحة وقرب الغزي من أهل جنين ينعكس على قيادات الأحزاب السياسية للإسراع في إنهاء ملف الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة على الصعد كافة.