داليا عسكر/ القدس
منذ طفولتي وأنا أقيم في تلك البقعة الجغرافية بين بلدة بيت حنينا ومستوطنة تدعى "بسجات زئيف"، تطل على قرية حزما؛ شرقي القدس المحتلة، وفيها يسكن يهود من جميع أنحاء العالم. فقد فرض على عائلتي التي تحمل الهوية الزرقاء، وتدفع ضريبة الأملاك؛ "الأرنونا" الباهظة، أن تعيش في منطقة تخضع للسياسة الممنهجة التي تهدف إلى التضييق على المقدسيين لدفعهم للرحيل، أو إضاعة بوصلتنا جميعا لنتوه عن مدينة القدس. وهكذا هو الحال بالنسبة لعائلة عسكر؛ التي حاصرتها المستوطنات، وجعلتها بين خيارين؛ أحلاهما مر.
تبدأ الحكاية بمبنيين وقطعة أرض تعود لعائلة "عسكر"، التي سكنت المنطقة منذ مئات السنين، ومع الاحتلال الإسرائيلي، وانتشار بناء المستوطنات، وجد الاحتلال المنطقة التي تسكنها عائلتي مناسبة لإنشاء مستوطنة جديدة، فحاول تقديم إغراءات مادية عدة نظير أن تقبل العائلة بترك الأرض، لكن محاولاته لم تفلح؛ فالشيكات المفتوحة لم تجد أي نتيجة مع العائلة التي لم ترد التخلي عن أرضها وبيتها لمستوطنة أخرى على مشارف القدس، وتثير الحنق في قلوب المواطنين.
واليوم تسكن العائلة في عمارتين من ثلاثة طوابق وأرض مزروعة بالزيتون والتفاح والليمون واللوز، وسط المستوطنة، وعلى أي شخص منهم يريد الوصول إلى منزله أن يقطع حاجز حزما؛ إما بسيارته ذات اللوحة الصفراء، أو مشيا على الأقدام.
وتتبع سلطات الاحتلال الإسرائيلي شتى أساليب الضغط والاعتداء على شبان عائلة عسكر، الذين لم يسلموا من الاعتقال الجائر، والتهم الباطلة. أما بالنسبة لنساء العائلة، خاصة المحجبات منهن، فيتعرضن للمضايقات والشتم والاستفزاز وترهيب المستوطنين، الذين لا يسمحون لهم بالتنقل في الشوارع بسلام، رغم وجود بعض اليهود الذين يعاملون أبناء العائلة معاملة جيدة؛ ليصدق عليهم قول غسان كنفاني: "يسرقون رغيف خبزك.. ثم يعطونك منه كسرة.. ثم يأمرونك أن تشكرهم على كرمهم .. يا لوقاحتهم"!!
لقد استباحت سلطات الاحتلال أكثر من 60 بالمائة من مساحة الضفة الغربية، التي تعرف بمنطقة "ج" حسب تصنيف اتفاقية أوسلو. وربما يكون مهما أن نشير هنا إلى رأى سهيل خليلية؛ الخبير في شؤون الاستيطان، الذي قال إن العام 2016 كان "الأكثر ضراوة في الهجمة الاستيطانية، التي وصلت إلى المربع الأخير". وأكد في حديث له مع وكالة "قدس برس"، أن قرار مجلس الأمن الذي يدين الاستيطان "شكل دعما سياسيا للفلسطينيين في معركتهم، دون أن يكون لهذا القرار أي تأثير جدي على الأرض". ورجح أن يشهد عام 2017 توسعا في المشاريع الاستيطانية، مبينا أن الأرقام حول الاستيطان "تظهر حجم تلك المأساة".
وهذا يضعنا جميعا أمام طرق مغلقة، يجدر بنا أن نتبنى حيالها خيار الصمود والمقاومة الشرعية، التي لا تغفل عن خيار طرق أبواب المحاكم الدولية، وإثبات الحق بالقانون، بعد أن يئسنا من عدالة احتلال ظالم.
ونحن هنا باقون، ننتظر بزوغ الصباح لنستنشق هواء مدينتنا المقدسة، دون أن نرى تلك الكتل الإسمنتية غير الشرعية؛ لا بشهادة المواثيق الدولية فحسب، بل بدليل انحناء ظهور أجدادنا الذي زرعوا أرض فلسطين وحصدوها، وملأوا الخوابي بالزيتون والقمح والسمسم، وسنرى أطفالنا يلعبون بأمان، دون أن تعكر فوهات بنادق جنود الاحتلال صفوهم.