الانتخابات المحلية بين مطرقة العشائرية وسندان السلطة!

2016-10-21 15:57:26

بهاء توام/ القدس

كان يفترض أن نشهد في هذه الفترة أجواء الانتخابات المحلية بكل خطواتها، من التسجيل، إلى طرح القوائم، والحملات وغيرها.

ربما اعتقدنا أن هذه الانتخابات قاب قوسين أو أدنى من تحقيق "العرس الديمقراطي"، بدلالات مفترضة، تشمل تمثيل أهالي التجمعات السكنية، من قرى ومدن وغيرها من جهة، وحمل لواء مطالب المواطنين، والترويج لترجمتها على أرض الواقع من جهة أُخرى، إضافة إلى أن بعضهم قد يرى فيها مجالا حيويا للمشاركة السياسية عبر الترشح أو الانتخاب.

نعم؛ لقد تم تأجيل الانتخابات المحلية لعام 2016. ولكن التحضيرات التي سبقت قرارات المحكمة العليا، وقرار التأجيل الحكومية، قد أبرزت رسوخ الرابطة العشائرية، وتأثيرها الكبير على سير العملية الانتخابية.

وهذه الرابطة التي قد تتلاشى بشكل جزئي عل الأقل في المجال السياسي، وخلال السنوات التي تسبق الانتخابات، لا تلبث أن تتصدر المشهد الفلسطيني حين يتم الإعلان عن إجراء انتخابات بلدية بالذات، بشكل يترك آثارا آثاراً سلبية على سير العملية الانتخابية من "الألف" إلى "الياء".

أزمة بنيوية!

وتعمل الرابطة العشائرية على تعزيز الانتماءات الضيقة وتغليبها على الانتماء الأوسع والأكثر شمولا؛ أي الانتماء الوطني، الذي يتطلب بالضرورة أن تكون الغاية من الانتخابات المحلية تحقيق الصالح العام، وليس العمل لتحقيق مصالح شخصية مادية كانت أم معنوية. ويترتب على ذلك طغيان الهويات الضيقة، ممثلة بالعائلية والعشائرية، على الهوية الوطنية، ويزداد الأمر خطورة عند اقتران الروابط العشائرية مع القانون الناظم للانتخابات، الذي يحدد عددا معين للمقاعد التي تشغلها المرأة، والمقاعد التي يشغلها المسيحيون، كتكريس لهيمنة الرجال على النساء من جهة، واللجوء للطائفية بشكل لا مبرر له من جهة أخرى، رغم أنه يفترض بالهوية الوطنية أن تلغي الفروق الجندرية والطائفية.

وتجد العشائرية مرتعا خصبا مناسبا في قانون الانتخابات، الذي لم يخط خطوة نحو بلورة هوية وطنية عليا تجمع الكل عليها.

ويظهر تأثير العشائرية السلبي في المجتمع الفلسطيني في إفراغ العمل السياسي من محتواه، عبر جعل العائلة أو العشيرة هي الجسم الذي يمكن من خلاله تحقيق المشاركة السياسية، أو حتى الممارسة السياسية، لتحل بذلك العائلة أو العشيرة محل الأحزاب أو الحركات أو الائتلافات... وغيرها. وينتج عن ذلك غياب برامج سياسية وطنية تعمل على تحقيق الصالح العام، وتحافظ على الهوية الوطنية، وتغييب العمل التراكمي الذي يتيح فرصة التطور والتقدم في شتى المجالات، حيث إن المجالس المحلية بصبغتها العشائرية تراكم الأعمال، لتبقى طبقات الإسفلت في الشوارع مشوهة...!

ويؤدي وجود العائلة أو العشيرة كجسم أو إطار يمارس السياسة، إلى انقطاع المجتمع الفلسطيني زمنيا عن إرثه السياسي - التنظيمي المتمثل بالحركات والأحزاب واللجان الشعبية والتطوعية التي كانت تعمل على تحقيق الصالح العام، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتذليل الفروقات والنعرات الطائفية والعائلية. ولن تعود تلك النماذج إلى حيز الوجود مجددا إلا بتحقق شروط عديدة، منها التخلص من الروابط العشائرية والعائلة كحيز للممارسة السياسية.

ومن تجليات العشائرية ما يطلق عليه "التوافق"؛ أي الاستعاضة عن الانتخابات بالتوافق على تشكيل مجلس دون ممارسة العملية الانتخابية. وغالبا ما ينحو "التوافق" نحو إشراك عضو على الأقل من كل عائلة أو عشيرة، في القُرى تحديدا، ليصح عليه المسمى...!

أزمة فكرية!

تظهر ملامح الأزمة الفكرية في الانتخابات المحلية على مستويين: الأول يتمثل بسمو مفهوم التشريف على مفهوم التكليف في شغل مقاعد المجالس المحلية والبلديات، وما المناكفات والمزايدات  إلا دليل على ذلك، فمن تهمه المصلحة العامة يمكنه أن ينجز خارج إطار المجالس، إلا أن طغيان البعد التشريفي على البعد التكليفي يجعل من الانتخابات المحلية ساحة للتنافس والصراع على المناصب أكثر من كونه منافسة على تحقيق الصالح العام.

أما المستوى الثاني فيتمثل في بروز المنطق السلطوي عبر سعي طرفي الانقسام: حماس وفتح، لتعزيز سلطتيهما في الضفة بالنسبة لحركة فتح، وقطاع غزة بالنسبة لحركة حماس، إضافة إلى المزاحمة على مناطق نفوذ كل من الحركتين؛ بمعنى تعزيز نفوذ فتح في غزة، وتعزيز نفوذ حماس في الضفة. وفي هذه الحالة يتم الانتقال من مصالح ضيقة إلى أضيق؛ فبعد المصالح العشائرية، تأتي المصالح الفصائلية الأكثر ضيقا.

وقد تداولت وسائل الإعلام الكثير من الاتهامات المتبادلة، بأن كلا من الفصيلين يعمل على تضييق الحريات التي يفترض أن ترافق العملية الانتخابية وفق الحدود التي يرسمها القانون، من بدايتها حتى نهايتها.

وتعمل تلك العقلية السلطوية على تفريغ الانتخابات، أو أي عمل سياسي آخر، من مضمونه. كما تعمل على ترسيخ الانقسام، وتمييع مفهومي الصالح العام والمصلحة الوطنية. وبذلك يضاف للقيود التي تفرضها الروابط العشائرية على المشاركة السياسية، قيود أخرى، تتمثل بسيطرة المنطق السلطوي على المجالس التي ستتشكل في نهاية المطاف.

وفوق ذلك يدخل المنطق السلطوي في علاقةً جدلية مع الروابط العشائرية في الانتخابات، ويحصل ذلك في القرى تحديدا، عندما لا يجد أي من المرشحين مهربا من الفصائل المتصارعة على السلطة، سوى اللجوء للعائلة/ العشيرة كإطار سياسي يمكنهم من الوصول إلى المجالس المحلية، أو ممارسة العمل السياسي، كما ذُكرنا آنفاً.

فرصة أخرى ضائعة!

وهنا يتبادر سؤال حول ما إذا كانت الانتخابات المحلية على هذه الشاكلة فرصة ضائعة، في ظل ما يعانيه الوطن العربي من خراب وتدمير وتشرذم بسب العقلية السلطوية التي تقوم على إثارة النعرات الطائفية والقبلية، والمصالح الحزبية الضيقة، والتدخلات الخارجية، وغيرها. ونجد أن فلسطين أضاعت فُرصة أن تكون استثناء، أو أن تستفيد من "الدرس" الدموي الماثل في شتى أنحاء الوطن العربي، لتلافي الأسباب المؤدية للدمار والخراب. إضافة إلى ضياع فرصة لبلورة مشروع وطني بكل ما تحمل كلمة "وطني" من معنى، وتعبئة الجماهير وحشدها لتحقيق هذا المشروع الوطني، وهذا الطرح ليس من باب المثالية، بل من باب الضرورة...!

اخترنا لكم
عماد ابو الفتوح عندما عرفت أن الرواية القا...
سلمى أمين هل تمنّيت يومًا أن تتحدّث أكثر م...
 هند الجندي ينظر معظم الناس للأذكياء...
لينا العطّار/  اخترنا لكم من اراجيك...
بقلم: تركي المالكي الحياة مليئة بالجمال وا...
اخترنا لكم هدى قضاض- اراجيك  يعد ا...
منوعات
نغم كراجه/غزة يواجه الشباب صعوبة في إيجاد...
رغد السقا/غزة يمر ذوي الإعاقة بظروف نفسية...
سها سكر/غزة "لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أ...
نغم كراجة/غزة "أمي لم تفِ بوعدها، أخب...
إسراء صلاح/غزة هنا غزة المدينة المنكوب...
عرين سنقرط/القدس ربما قطار الفرح في مدينتي...