"الموت لا يوجع الأموات" راحت غزة... بقيت غزة!

2023-12-03 12:59:33

غزة الأولى؛ كانت جميلة، يشع وجهها ببراءة الطفولة، وينسدل شعرها على أكتافها كأنه حرير شديد البريق... شديد اللمعان.

ولدت غزة في غزة، وماتت غزة في غزة! وهل تنجب غزة إلا غزة؟ حملت غزة الطفلة اسم غزة المدينة؛ لتكون شاهدة على دمارها وقد ولدت على أصوات حمم الموت التي تلقيها الطائرات، وهدير الدبابات وقذائفها العمياء، وأزيز الرصاص القادم من رشاشات المروحيات؛ يوم أخر حرب شنت على أطفال غزة.

لم تبلغ غزتنا من عمرها سوى 3 سنوات، وقد أخذ جنرالات الموت وأمراء الحرب ودهاة السياسة قرارا رفيع المستوى مضمونه أقتلوا غزة.

 قتلوها وماتت، وها هم يرقصون على صدى آهات أهلها، التي امتزجت بالدموع والضحكات، وأصوت التراب الذي ينهال على جثتها الصغيرة الناعمة... غزة ليست الطفلة الوحيدة التي شهدت على المذابح الجماعية، ولكل شهيد في غزة حكاية تغلفها الأحلام والحب والخوف والرغبة العارمة في الحياة... قصفوها وماتت.

صحيح راحت غزة الصغيرة، لكن غزة الكبيرة بقيت وستدوم؛ هذا ما قاله طفل جريج يرقد في إحدى زوايا المستشفى... وقد سمعته يردد "راح نكبر ونعيش... ويا حيف على اللي تركونا".

استيقظنا صباح السابع من تشرين أول على صوت الصواريخ، وظننا أنها هجمة عادية صاروخية عادية... فكل الأمور أصبحت "عادية في غزة"، تأتي على غفلة، فتحصد الشهداء والجرحى والدمار وتنتهي.

 استمرت الأصوات والتصريحات والتهديدات، وجاءت حاملات الطائرات والقطع البحرية التي تمركزت قبالة الشاطئ وفي أعالي البحار. يومها عرفت أن الحرب سوف تطول وتطال الجميع، وقد قالوها صراحة بأنها حرب بقاء... هي حرب على غزة وليست عملية عسكرية لبنك من الأهداف... لم أكن أعلم أن الطفلة غزة هي من ضمن الأهداف... قصفوها وماتت.

بدأنا نراقب تطورات الأحداث، ونحلل كل السيناريوهات؛ فنحن خبراء في الحروب، ونعرف أصناف الاستهداف الذي تمارسه الدبابات والطائرات والسفن الحربية... كأنها عمياء تقصف في كل الاتجاهات بحثا عن الأطفال والنساء والشيوخ... لقد أبادوا عائلات بأكملها، ويأتينا الخبر من بعيد: "استهدفنا مواقع المقاومة"... وفي الحقيقة هم يستهدفون غزة الطفلة... قصفوها وماتت.

في اليوم الرابع من الحرب، قصف منزلا قريبا من منزلنا الذي لحق به أضرار جسيمة، تلقينا الاتصالات بضرورة الاخلاء، يومها كان همي إنقاذ أطفالي وزوجتي من بين فكي الموت، ونزحنا مع النازحين، في الطريق التقيت بـ "عديلي"، وقررنا أن تكون رحلة نزوحنا مشتركة، واستقر بنا الحال في منزل جديد.

في اليوم الخامس وصلنا تحذير جديد بإخلاء البيت الجديد! وقد قررت "حماتي" أن تكون قريبة من بناتها وأحفادها... صرنا ثلاث عوائل واعتقدنا أننا في مكان آمن.

في اليوم الثامن من الحرب؛ وصلنا تحذير أخر للإخلاء، عندها قررنا النزوح نحو الجنوب.

وفي ليلة اليوم التاسع لحقنا القصف على منطقة الجنوب التي قالوا لنا بأنها "آمنة"... كانت ليلة مليئة بالرعب والخوف من أصوات الانفجارات، وقد قال أحد أطفالي: "يقصفونا كي نرتاح"... وقد عرفت حينها معنى مقولة "الموت لا يوجع الأموات".

في اليوم التاسع، قررنا العودة إلى خان يونس وكان يحذونا الأمل بأن نعود إلى بيوتنا التي خرجنا منها بحثا عن الآمن لكننا لم نجده في كل محطاتنا.

لا ماء.. لا طعام.. لا ملبس ولا فراش للنوم، وأصبحنا نصطف في طوابير لنحصل على الماء والخبز، حتى أننا أصبحنا نصطف في طوابير لدخول الحمام، ومثلها لشحن بطاريات هواتفنا التي لم تعد ذكية؛ فقد قطعوا عنها الاتصالات والإنترنت.

ها هو الشتاء أصبح على الأبواب، ولا نزال نازحين عن بيوتنا، وينتظر أطفالنا برد قارص ... لقد سلمنا أمرنا لله، على آمل البقاء والعودة.

نرجوك يا الله: بدل حالنا بحال أفضل، واصرف عنا تجرع الموت البطيء، أطفالنا وأروحنا في عهدتك وأنت خير الحافظين.

اخترنا لكم
عماد ابو الفتوح عندما عرفت أن الرواية القا...
سلمى أمين هل تمنّيت يومًا أن تتحدّث أكثر م...
 هند الجندي ينظر معظم الناس للأذكياء...
لينا العطّار/  اخترنا لكم من اراجيك...
بقلم: تركي المالكي الحياة مليئة بالجمال وا...
اخترنا لكم هدى قضاض- اراجيك  يعد ا...
منوعات
نغم كراجه/غزة يواجه الشباب صعوبة في إيجاد...
رغد السقا/غزة يمر ذوي الإعاقة بظروف نفسية...
سها سكر/غزة "لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أ...
نغم كراجة/غزة "أمي لم تفِ بوعدها، أخب...
إسراء صلاح/غزة هنا غزة المدينة المنكوب...
عرين سنقرط/القدس ربما قطار الفرح في مدينتي...