الهجرة وفك الموت المنتظر على السواحل الأوروبية

2015-11-25 13:15:45

حكمت المصري/غزة

أصبحت الهجرة وحشا كاسرا قادراعلى أن يبتلع كل شيء، أو أن يلقي بنا عندما يتعب على سواحل دول الغرب؛ إما جثثا متهالكة أو مرضى، حيث باتت الهجرة الحل الأمثل لبعض من يحاول الهروب من الواقع المرير الذي يعيشه الإنسان في دول الشرق الأوسط؛ بسبب الحروب الطائفية. ولكن الهجرة سلاح ذو حدين؛ إما أن يوصل من يبتلعه إلى البر سالما، وإما أن يوصله جثة هامدة.

في الحقيقة لا أعرف على من يقع الذنب الذي جعل من وحش كاسر يسيطر على أحلام الشباب، سواء في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين ومصر وليبيا والجزائر والمغرب. ام ربما يعود ذلك إلى غياب العدل الذي ساد في زمن عمربن الخطاب، مما يجعل كثيرا منا يفكرون في البحث عن وطن فيه عدل، بعيدا عن التمييز لأسباب دينية أو عرقية أو طائفية.

أصبحنا نتمسك بشعرة حتى وإن كانت لا تمنع غرقنا، وندعي دوما شرف المحاولة للنجاة، فيخسر الأب أبناءه وزوجته هربا من موت إلى موت محتوم. وهنا لا تفارق مخيلتي صورة الطفل إيلان الذي ألقاه البحر جثة هامدة على الشواطئ التركية، فكانت أقرب إلى ربها، وحركت مشاعر الخوف أن ما حدث للطفل إيلان يمكن أن يحدث لطفلي... هذا ما شعرت به. أصبحنا نعيش في بلدان عربية فقدت من صفاتها العدل والكرم والمسامحة وعدم القتل، وانتقلت لتكون من مواصفات دول أخرى، مما يشجع أغلب الناس على الهجرة إليها، ولو بطريقة غير شرعية.

لقد أخذت الهجرة الكثيرين، ولن تتوقف حتى يتوقف نزف الدم فى التغريبة الشامية، وستأخذهم لترميهم على الشواطئ بين أحياء وجثث هامدة. إن ما نراه على شاشة التلفزة من لاجئين يبحثون عن موطن يجيدون فيه الحياة الكريمة، وأناس ترحب بهم، يجعل المغامرة ومحاولة الهجرة هدفا أساسا للجميع، حتى لو كان الموت بانتظارهم.

هل بات الوحش الكاسر هو الحل الذي يتمن اللجوء إليه من جحيم الانتماءات السياسية العفنة، والحروب الطائفية؟هل باتت الهجرة لمواجهة الموت بجميع أشكاله بحثا عن حياة أفضل تحفظ فيها قيم الإنسانية؟ ولكن وحش البحر الكاسر يلتهم أغلبهم، ويوصلهم جثثا مجهولة إلى شواطئ لا تعرف هويتهم؛ ليوضعوا فى صناديق شحن، أو يدفنوا فى مقابر جماعية مجهولة.

اللاجئون في الواقع مهجرون من مناطق سكناهم بسبب سياسة العقوبات الجماعية، والقصف، والقتل الجماعي، أو هاجروا قسرا من أحيائهم التي تحولت إلى جبهات قتال، بعد أن تطورت الثوراتإلى مستوى حرب طائفية وأهلية، على يد أحزاب عفنة، وأنظمة العفن، وبلا خط أحمر يفرضه المجتمع الدولي.

ولكن الهجرة ليست الحل الأمثل للهروب من الواقع الذي نعيشه، ولا يشكل اللجوء إلى أوروبا حلا لما يعانيه اللاجئون بشكل مستمر منذ سنوات، ولا يؤمن لهم الوصول إليها الاستقرار المادي والنفسي، والتعليم، وفرص العمل. وفي المقابل تبرز آثار سلبية عديدة على المستوى الوطني؛ فعلى خلاف دول اللجوء المجاورة أو الدول العربية الأخرى، تدمج الدول الأوروبية المهاجرين وتوطنهم، وتمنحهم جنسيتها بعد مضي فترة زمنية محددة، ما يعوق عودتهم إلى أوطانهم مستقبلا.

لذلك يرجح أن تفقد فلسطين، في حال استمرار وتيرة الهجرة، مئات الآلاف من مواطنيها سنويا. وتعزز تصريحات المسؤولين الغربيين، وبرامجهم الهادفة إلى تنظيم استقبال المهاجرين في السنوات الخمس المقبلة، مخاوفَ من وجود توجه غربي لإطالة عمر الأزمة، وحصرها في باللجوء. لأن من شأن ذلك أن يحدث خللا في التركيبة السكانية، لا يقل أثره عن سياسات التهجير الممنهجة التي يتبعها الاحتلال. 

وتساهم الهجرة الحالية في اضمحلال الطبقة الوسطى؛ إذ تفيد عدة دلائل أن المهاجرين إلى أوروبا ليسوا من المعدمين داخل المخيمات، أو الفقراء العاجزين عن تأمين تكاليف الهجرة المقدرة بنحو ثلاثة آلاف يورو للشخص، بل هم من أبناء الطبقة الوسطى الباحثين عن استقرار دائم، وأوضاع معيشية أفضل، ومنهم المثقفون، والجامعيون، والمهنيون، والحرفيون.

ويعد فقدان عنصر الشباب أحد أبرز الآثار السلبية للهجرة؛ لأنه عنصر ضروري ومهم في عملية إعادة الإعمار. ويرجح أن تخسر فلسطين، أيضا، أعدادا كبيرة من الجيل الجديد الذي سينشأ في بلاد بعيدة على ثقافة مختلفة، تسلخه بالتدريج عن وطنه الأصلي، وتغير اهتماماته وأولوياته.

اخترنا لكم
عماد ابو الفتوح عندما عرفت أن الرواية القا...
سلمى أمين هل تمنّيت يومًا أن تتحدّث أكثر م...
 هند الجندي ينظر معظم الناس للأذكياء...
لينا العطّار/  اخترنا لكم من اراجيك...
بقلم: تركي المالكي الحياة مليئة بالجمال وا...
اخترنا لكم هدى قضاض- اراجيك  يعد ا...
منوعات
نغم كراجه/غزة يواجه الشباب صعوبة في إيجاد...
رغد السقا/غزة يمر ذوي الإعاقة بظروف نفسية...
سها سكر/غزة "لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أ...
نغم كراجة/غزة "أمي لم تفِ بوعدها، أخب...
إسراء صلاح/غزة هنا غزة المدينة المنكوب...
عرين سنقرط/القدس ربما قطار الفرح في مدينتي...