علاء ريماوي/ رام الله
يعيش الإنسان ضمن معضلة حياتية تكاد تكون غير مفهومة للبعض، أمور كثيرة تفصلنا عن فهم الواقع المعاش خاصة كانت أم عامة بتأثير من البيئة والمجتمع الذي نعيش فيه، الإنسانية إختلطت عليها الأوراق ولم نعد نعي تلك الأفعال التي يقوم بها البشر مع أن الله ميزنا بالعقل وحثنا على التفكر ولكننا نعمل خلاف ذلك.
أبسط التفاصيل لها دلالة
المدرسة الحياتية تخبرنا في كل ظاهرة عن عبرة لكننا لا نصغي، فتلك البسمة في الشارع التي ترسم على وجه طفل صغير تحمل الكثير، تلك المسنة التي تخطوا بأقدامها المتثاقلة على الأرض بعد أن حملت هموم الحياة على أكتافها تعني الكثير، عندما ترى ذلك العامل بعد إنتهاء عمله وهو ذاهب إلى منزله بتلك الملابس المتسخة والممزقة وقطرات العرق على وجهه المصفر تعني الكثير .... وغيرها الكثير من المشاهد اليومية التي تملك في طياتها قصص وحكايات تكاد تكون بمثابة درس يمكن تعلمه في هذا الزمن، فاللوحة الفنية بتفاصيلها هي شيء ثابت يحوي صورة ثابتة بألوان مختلفة ولكن كل واحدة من هذه الرسومات تحمل في تفاصيلها رسائل مبطنة لتبيان شيء ما للمتلقي.
أمك تفتح بابا من الجنة
تأمل تلك الأم التي تصحو في ساعات الفجر متلهفة للصلاة وإعداد الإفطار لأبنائها قبل ذهابهم الى المدارس أو العمل، وتأمل كذلك تلك التي تحمل طفلا صغيرا لها بين أيديها وكأنه في غطاء صلب من الخارج ودافئ وناعم من الداخل لتحكي طفلها، تلك المرأة التي تذهب الى العمل، لتعود بعده لعمل آخر كرعاية زوجها المريض، وأبنائها ومنزلها المتسخ، نماذج كثيرة تظهر لنا بسلوك معين مدى القدرة التي وضعها الله في قلب هذه المرأة ليعظم الأم عبر التاريخ وكما قال رسولنا الكريم " أمك ثم أمك ثم أمك..." تلك الخلطة التي وضعها في جسد هذه المرأة من الصبر والحنان، لنعلم أن لا مكان أفضل للجنة إلا تحت أقدامها الطاهرة.
اليد الواحدة لا تصفق
تلك الحشرات التي تتزاحم فوق بتلات الزهور والبراعم في فصل الربيع، تلك الجنود المنتظمة في عملها كلا منها له وظيفته الخاصة التي لا غنى عنها وعن أهميتها، جمال الربيع تتوجه هذه الجنود المتراصة على هذه الأزهار في الصباح ومع أشعة الشمس التي زينت تلك الورود برموشها الصفراء التي تحيطها، معاني العمل الجاد والإخلاص تتجلى في هذه الحشرات "النحل" الذي ينتج أجمل مادة في الكون بمذاقها وأهميتها الصحية، ترسم لوحة فنية غاية في الجمال تخبرنا بها أن العمل الجاد ينتج ما هو جميل، ولو قارنا ذلك بما يحدث على أرض الواقع لو كنا يدا واحدة لكان العالم مكانا أفضل.
الفضاء يراقب بصمت
تأمل يا صديقي ذلك الفضاء الواسع الغامض، وتتوج هذا الظلام المسيطر عليه قناديل مضيئة مصطفة بطريقة إبداعية وكأنها فسيفساء تعلو هذه الأرض، ماذا لو حدثنا عن كل ما شهده من أحداث وعلاقات وأمم سبقتنا، أيعقل أن يحدثنا عن تاريخه منذ الخليقة، أيعقل أن يحمل ذاكرة في طياته ليخبرنا عن كل أخطائنا التي حصلت بسبب سوء فهم لا أكثر، يحدثنا عن تلك الأسباب التافهة التي جرت الإنسانية لإفتعال الحروب وسفك الدماء، ليسمعنا صوت العالم وصوت كل شخص ظلم ولم نهتم به، ليسمعنا صوت تلك الأمعدة الفارغة لأطفال يعيشون في إفريقيا وأمعدة الأسرى الذين أغلقنا الشوارع من أجلهم لنعطل الحال على غيرهم والمتهم "الاحتلال" يراقب بابتسامة صفراء ولم نفعل في وجهه شيئا، ليسمعنا صراخ أم على طفلها الذي سرقته الحروب في الشرق الأوسط، أيمكن أن يعرض لنا فلما نشاهده عن أسباب الظلم والرياء في هذا العالم والتي أوصلتنا لهذا الحال لنرى أننا المتهمون في كل شيء لسوء تحليلنا وسوء قراراتنا وسوء سلوكنا.
لكل حدث عبرة!
ولعلها علقت في ذهني صورة تلك الفتاة الصغيرة التي كانت تحمل أخاها ذو العامان على خصرها، تجوب به شوارع القرية وتنزله تارة وتحمله تارة أخرى وتداعب يداه الصغيرتان ذلك الوجه المحمر من حرارة الشمس، ما ذنب أولئك الأطفال لعيشوا في مجتمع متهالك نهشه الفساد والظلم والقتل، ما ذنب تلك الفتاة الصغيرة التي خلقت على فطرة الحب والعطف أن تهددها رصاصة محتل في يوم من الأيام لتقتل روحها، ألن نعتبر من تلك الإبتسامة التي تعلو وجه تلك الفتاة، ألن نخجل من جفون الطفل المحمرة، ألن نعيد إحياء إنسانيتنا بعد.