مفقودي قارب 6/9... هل ابتلعهم البحر أم دخلوا دياجير السجون؟

2016-11-23 14:12:39

علا أبو حليلو/ غزة

ركبوا البحر من كل البلاد المكلومة، رجالاً ونساًء، شيوخاً وأطفالاً، وأطنان من الأحلام التي حملوها معهم في عرض البحر على مركبهم المتواضع، ليكسروا حصار أنفسهم من الذل والظلم المفروض على قطاع غزة منذ سنوات ليلتقوا مع زملاءهم في الظلم من سوريا ولبنان وحتى في مصر.

ودون اكتراث لجملة التهديدات التي لم تهدأ منذ أن بدأت أسراب الهجرة غير الشرعية تنطلق يومياً، ومشاهد الغرق اللاإنسانية، إلا أنهم قرروا المغامرة من أجل الحياة، فإما حياة تسرهم وتنفعهم وإما غرق بكرامة والموت بعزة -كما يعتقدون-.

في اليوم السادس من سبتمبر2014 انطلق المركب سائراً في عرض البحر، حاملاً على متنه أمنيات وأحلام، ودموع من أجل مستقبل مجهول وماضي مليء بالأوهام، يحمل 150 راكباً من غزة أقل ما اصطحبوه من ذكريات عبارة عن ركام لثلاثة حروب قاسية، وبضعة اجتياحات إسرائيلية كلٌ لمنطقته، وأياماً أمضوها بحثاً عن عمل بلا فائدة، فكان قرار البحر هو الحل!

خسارة الوزن مستمرة، تكاد تفقد أكثر من نصف وزنها، واللون الشاحب يجعلك تدرك كمية الأسى دون عناء، عيون منتفخة، وملامح الوجع أخفت معالم الوجه، فهذه السيدة أم وائل وشاح، أم لأربعة أبناء، أكبرهم وائل ذي الستة وعشرين ربيعاً، والمفقود منذ عامين، بحسرة تصف إصرار ابنها على الهجرة: " لم أكن أعرف أنها غير شرعية، لم يريد أن يخيفني عليه، أقنعني أنها مضمونة وستنجح مثل الشباب الذين سبقوه، هذه الطريقة الوحيدة التي سيضمن بها مستقبله".

مضى عامين على وجع أم وائل، لم يعد هناك دموع في عينيها، فقد نفذت من كثر ما ذرفتها، عامين لا تعرف هل ابنها على قيد الحياة؟ أم أن البحر قد ابتلع جثته الهزيلة؟ لم يكن هزيلاً بشكل محزن، بل كان قوياً، يعرف السباحة جيداً، كانت هوايته المفضلة، تستغرب وتتساءل كيف يمكن للبحر أن يبتلع من يعشق الانتعاش في احضانه اسبوعياَ؟

وتصف "وشاح" بأسى: "في غزة لم أترك أي جهة مسئولة ولم أذهب إليها، الجميع يتنكر لوجودهم، وبعضهم قال لي بأن طريقة هجرتهم غير الشرعية هي من تمنع المطالبة بالإفراج عنهم فيما لو كانوا مسجونين، وبعضهم من أنهى الموضوع بأن البحر التهم الجثامين وذابت مع البحر".

وتضيف وشاح:" لا يمر يوماً دون أن أفعل شيء لأجد ابني، سافرت على مصر وذهبت للسفارة الفلسطينية ولمجلس النواب المصري، لا أحد يعطي معلومة واضحة، وآخر مرة ذهبنا فيها لمجلس النواب أحد الضباط المتواجدين قال لوالدة مفقود مع ابني بأن أبناءنا مسجونين لأنهم يحتاجون " للتربية" وأضاف لها: " بس نربيهم بنطلعهم".

فتقول والوجع قد ملأ عينيها بالدموع مجدداً:" هل لأنهم أردوا أن يبحثوا عن مستقبلهم الضائع في غزة خارج أسوارها يحتاجون للتربية، ما ذنب هؤلاء الأمهات يتعذبن لوعة ليصلن لمعلومة تفيد بأن فلذة كبدها مسجون لدى السجون المصرية أو حتى الإيطالية على الأقل، لماذا يخفون مصير أبناءنا عنا؟!"

وعلى الرغم من أن أهالي المفقودين شَكَلَوا لجنة تُعرف بـ"لجنة مفقودي قارب 6/9" للتواصل مع الجهات الرسمية المحلية والعربية والدولية، ونفذّت هذه اللجنة لاحقاً عدداً من الفعاليات الشعبية المطالبة بالكشف الفوري عن مصير أبناءهم، إلا أن كل المحاولات الجماعية والفردية في كل مرة كانت تبوء في الفشل.

عائلة بكر كان لها نصيب الأكبر من المفقودين بالسفينة، حيث فقدت26 فرداً من أبنائها؛ أبو راغب بكر والذي فقد أخيه مع أبناءه، واثنين من أولاده وخمسة من أطفالهم.

يقول والدموع تشرح لك مرارة الفقد دون أن يشكي ولا يحكي عنها:"إن ملف أبناءنا المفقودين لم يتبناه أحدا إلى الآن، فالجهات المعنية والرسمية والحقوقية لا تحرك ساكناً لبذل جهوداً للكشف عن مصير هؤلاء وتبرد قلوب امهاتهم المكلومة".

وبعد الالتقاء بعدد كبير من أهالي المفقودين، أكدوا على أن أبناءهم يقبعون في السجون المصرية دون معرفة الأسباب، ولا يوجد أي تصريح رسمي بهذا، سوى بعض " المسجونين" حينما تنتهي محكوميتهم ويعودون لغزة يؤكدن لهم أنهم شاهدوا أبناءهم في السجن، ولكن هذا الدليل غير كاف، لأنهم لا يعرفون أسماء بعضهم إنما التأكيد يكون عند تبادل أوصاف المفقود - طوله وعرضه ولونه البشرة-  أو يرى صورة له، فيقول أنه التقى فيه أو شاهده.

يذكر أن المفوضية المصرية للحقوق والحريات أصدرت تقريراً لتقصي الحقائق حول حادث إغراق القارب المعروف إعلاميا بـ«6 سبتمبر»، الذي انطلق من السواحل المصرية باتجاه أوروبا في نفس اليوم من العام الماضي، وكان يقل على متنه قرابة الـ400 لاجئاً ومهاجراً، أغلبهم فلسطينيين.

وكشف التقرير الملابسات التي اكتنفت حادث الإغراق الذي تعرض له القارب يوم 10 سبتمبر 2014 على بعد 300 ميل بحري جنوب شرق مالطا، والذي لم ينج منه سوى 11 فقط، بينما أصبح الباقون في عداد المفقودين حتى اليوم.

الشهادات التي أدلى بها بعض الناجين، أشارت إلى أن المفقودين قد غرقوا، فقد وصف شادي الجبري - أحد الناجين-  مشهداً اقترب من مشهد " التايتنك" حينما غرقت، وأنهم بقوا في البحر مدة طويلة قرابة الأسبوع وكان في كل ساعة يقل عددهم، ويؤكد أن سبب نجاته هو ومن بقى معه أنهم شكلوا حلقة دائرية ممسكين بأيدي بعضهم، حتى جاءت باخرة إيطالية وأنقذته ولم يدرك من تبقى معه من الحلقة الصغيرة التي شكلوها قبل أن يغيب عن الوعي.

اخترنا لكم
عماد ابو الفتوح عندما عرفت أن الرواية القا...
سلمى أمين هل تمنّيت يومًا أن تتحدّث أكثر م...
 هند الجندي ينظر معظم الناس للأذكياء...
لينا العطّار/  اخترنا لكم من اراجيك...
بقلم: تركي المالكي الحياة مليئة بالجمال وا...
اخترنا لكم هدى قضاض- اراجيك  يعد ا...
منوعات
نغم كراجه/غزة يواجه الشباب صعوبة في إيجاد...
رغد السقا/غزة يمر ذوي الإعاقة بظروف نفسية...
سها سكر/غزة "لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أ...
نغم كراجة/غزة "أمي لم تفِ بوعدها، أخب...
إسراء صلاح/غزة هنا غزة المدينة المنكوب...
عرين سنقرط/القدس ربما قطار الفرح في مدينتي...