جوليانا زنايد/ القدس،
أمي ..
كنت أظن نفسي في مراحل كثيرة نقيضك! لا لشيء؛ بل لأنني أردت أن أثبت ما كنتِ تخشين، لكن يا أمي الآن أرى نفسي بعينيك، وأشعر بما كنت تحاولين إبعاده عني، وأعلم أني لن أكون غيرك، لن أكون عكسك، ولن أكون إلا أنت.
وأني يا أمي من شدة قسوتي انكسرت، وهذا لن يجعلني ألين، ويزيدني قوة وقسوة وعناد، وقلبي هش ضعيف وفيه انكساري! فكيف يمكن لإنسان أن يجمع كل هذا التناقض في قلب واحد وكيف لي أن أُشحن بكل هذا الضعف وكل هذه القوة آن واحد.
سأقول متلعثمة كل ما احتفظت أنت به لنفسك؛ لأنك مثلي تخشين البوح وتفضلين اجترار ما بك من قوة وتبحثين عن نصرٍ في كل انكسار، سأقوله لعله يبرر صمتي يوم أصمت، فما كان يجدر بك أن تجملي الأشياء وأنت على يقين أنها ستكون أكثر إيلاما كلما انكرنا قبحها!
سننكسر يا والدتي في أول ابتسامة لشخص نمقته، في أول مجاملة لشخص نكرهه...وفي كل تحول لشخص نحبه
سننكسر في أول مرة نقوم بها بأشياء لم نقم بها من قبل... وفي أول مرة نفعل أشياء قلنا أنه يستحيل فعلها.
سننكسر مع كل جزء من أحلامنا...وفي كل محاولة للبحث عن الجانب المشرق في كل شي، سننكسر ونحن نحمد الله على كل الأشياء التي لم نشأ حدوثها...
سننكسر ونحن ننتظر دون أمل
سننكسر حين لا يعود بكائنا يعني أحد، وحين لا يعود بمقدورنا البكاء أمام حد...
سننكسر كثيرا عندما تموت الثقة بكل من هم حولنا، وعندما يثقب النور أعيننا ونعرف الحقيقة، سننكسر في محاولات إغفالها...سننكسر كثيرا!
وسننكسر أيضاً عندما ندرك أننا لسنا بذلك الجمال الذي أخبرتينا عنه يا أمي...
سننكسر حين يستحيل أن يعبر الكلام عن دواخلنا وحين نفقد قدرتنا على الوصف، سننكسر يا أمي حين نبتعد عن الأشياء لأنها لم تعد تشبهنا كما كنا نظن...
عندما تصغر الأشياء الكبيرة وعندما تكبر الأشياء الصغيرة وتتغير الأشياء كلها،
سننكسر حين نكون غيرنا، لأنه لن يكون بمقدورنا أن نكون نحنز