ارى جمال الشتاء حزينا

2016-12-06 09:39:21

حمزة درويش/ رام الله

أجلس في غرفة مكتوبٌ عليها غرفة هادئة خلف زجاجها يجلس مجموعة من الطلبة ينظرون من زجاجٍ آخر إلى أمطار الشتاء الغائبة منذ الشتاء الماضي، أحاول فهم بماذا يفكرون الآن، وكيف يسحب المطر أفكارهم إلى أمكنة معينة في الذاكرة كما يحدث لي الآن، فأنا أرى في خيوط الماء الساقطة وسط الرياح العنيفة من السماء أمل كبير يصر على خلق حياة جديدة؛ ربما حياة لنبتة على وشك أن تموت في أرض جافة أو عصفور عطش يرى سراب الماء... كلها وغيرها من الصور ترسم في مخيلتي في هذا الشتاء، وأقف عندها وقفة جميلة تراقب شؤون الخلق.

صور تعطي جمالية للمطر وروعة ما خلق الخالق، بصورة فائقة الجمال تبدو تراجيدية لوهلة! اسمع صدى في قطرات الماء فيه صوت طفل سوري يقول دفئوني! أرى في قطرات الماء انعكاس صورة طفل يطلب الملابس يطلب الاحتماء من شدة الشتاء، أشعر بحنجرة الطفل السوري تهتز بتجمد لتقول ألا ترونني ألا تسمعونني؛ جفّ دمعي و تجمد في عيوني.

في مشهد ليس ببعيد عن الطفل، بل قريب من وريده جدا، أمه تتساءل: هل ما زلنا أحياءً؟ هل ما زلنا على الأرض؟ أين الناس؟ ألا تراني؟  فطفلي يرتجف ولا مأوى لي، لقد عميتم وجهلتم وبخلتم… شل طرفي ومات نصفي وبات الألم رفيق نصفي الآخر، بالله انقذوني.

في الخارج صار هناك حفرة صغيرة مليئة بالمياه أراها وكأنها شاشة تلفاز انعكست فيها صورة شاب يشعر بالبرد يركض خلفه صاروخ روسي أو ربما امريكي دافئ فيه شعلة من الخلف كأنما يحاول احتضانه ولا يوجد سواه يحتضنه بصورة أقل دفئاً، وهنا ينتهي ألم البرد وصورة الاحتضان الجحيمي؛ لتبدأ صورة أخرى لدموع أم الشاب الذارفة بعد التجمد في العين من شدة ألم الفراق فحرارة الفراق انقذتها من ألم البرد.

مازلت أجلس وأنظر إلى  الأمطار المستمرة والصور متتالية في مخيلتي، تعبت من شدة آلامها حاولت أن استمتع بالظلام وهو يحل على المطر تحت خيمة الضباب الداكن، في سرحاني خرج نور أصفر قادم من بعيد خيل لي أنه صاروخ جوي، بقيت خائفا وفي دهشة انتظر سقوطه وموتي حتى اقترب... عدت إلى وعيي واقفا مع طلبة قريبين مني ننتظر إشارة المرور، كانت حافلة مسرعة في ضباب كاتم لا أكثر.

أفكر هل صار المطر مجموعة من مشاهد الرعب أم أن سورية من تعيش الرعب في الشتاء، وأعود لصورة الشاب وأتساءل هل كان الصاروخ دافئا وكيف اسكت ألم البرد وهل ستعود دموع أمه للتجمد أم أن هناك آلام كافية لتشعرها بالحرارة، وإلى متى سيستمر ألم الشتاء، وهل سيبقى السوري يدفئونه على الصواريخ وآلام الفراق، أم المنازل ستعود ويعود نار الحطب و روح الحياة الفاترة إليها!

 

في ينبوع أبي شتاء مؤلم جميل

يملك أبي بالقرب من المنزل مساحة جميلة من الأرض وسط وادي خلاب فيه مجموعة من الينابيع، فور انتهاء المطر وسطوع نور الشمس ذهبت أرى الحياة هناك، في أول وصولي رأيت الشجر قد صار ناصع الخضرة ولون التراب بات داكنا مليئا بالماء فيه حبات البطاط بدأت بالنمو، استمريت بالمشي حتى وصلت بركة الماء كانت ممتلئة من مياه السماء، يمر فوقها فرع من شجرة زرعت بجانبها، كنت أرى هناك عش حمام لأنثى ذكر فيه فرخين حديثي الولادة، لكن هذه المرة لم اجدهم، فكرت بذهول هل بهذه السرعة استطاعوا الطيران؟

قررت الذهاب من جانب البركة وإذ بالفرخين كانا قد سقطا في مؤخرة البركة، تألمت بعد أن رأيت الجمال في الأرض، كرهت الشتاء بعد أن أحببته، وصرت في عمقي أرى كيف تتحول الحياة إلى موت.

جلست بعيداً عن المكان وفكرت بهذا المشهد الذي اوصلني الى قناعة بأن في الحياة لا حياة إلا لمن قدر خالق هذه الحياة، وأن في كل حياة هناك لا حياة، وواقع الحياة تعيش على هذه المعادلة.

 
اخترنا لكم
عماد ابو الفتوح عندما عرفت أن الرواية القا...
سلمى أمين هل تمنّيت يومًا أن تتحدّث أكثر م...
 هند الجندي ينظر معظم الناس للأذكياء...
لينا العطّار/  اخترنا لكم من اراجيك...
بقلم: تركي المالكي الحياة مليئة بالجمال وا...
اخترنا لكم هدى قضاض- اراجيك  يعد ا...
منوعات
نغم كراجه/غزة يواجه الشباب صعوبة في إيجاد...
رغد السقا/غزة يمر ذوي الإعاقة بظروف نفسية...
سها سكر/غزة "لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أ...
نغم كراجة/غزة "أمي لم تفِ بوعدها، أخب...
إسراء صلاح/غزة هنا غزة المدينة المنكوب...
عرين سنقرط/القدس ربما قطار الفرح في مدينتي...