آية مطَور/ بيرزيت
"بالبلد هون مرفوض تماماً لأنه لا يتوافق مع العادات والتقاليد ولا مع الدين، هذه المياعة بتنافي عاداتنا وتربايتنا.. طريقة لبسهم غير مقبولة في العروض وحركاتهم أيضاً لا أسمح لأحد من عائلتي خاصة خواتي بمشاهدتها". هذا ما عبر عنه الشاب المسرحي محمد أبو غربية من سكان مدينة القدس.
أشخاص يرقصون وسط المدينة بملامح وحركاتٍ حلزونيةٍ ودائرية خارجة عن المألوف في اللون والملبس والتصرف ويصحب ذلك إيقاع موسيقي منتظم، كان وجودهم محط أنظار المجتمع الفلسطيني الذي لم يتقبل هذا الفن، وبالرغم من الجدل حول جدوى قبول وتأثير مهرجان الرقص المعاصر لدينا، إلا أن فلسطين ما زالت تستقبل عروضه ليصبح الخارج عن المألوف مألوفاً في المجتمع الشرقي المحافظ.
إن تنحية الثقافة السائدة من الرأس أمر شبه مستحيل، فعروض الرقص ليست هي التي لا تقبل كل الجماهير أو أنها تريد جمهوراً مثقفاً نخبوياً، على عكس ذلك المشاهدون هم الذين يقولون لأنفسهم أنه فن غريب عليهم لا يعرفونه أو يفهمونه، وبالتالي يرفضون تقبله ما يجعل الصراع مستمر بينهم وبين الفرق القادمة من الخارج.
لا يشتمل الرقص المعاصر على حركات محددة يتعين على الراقص أداؤها، بل يعتمد بشكل أساسي على الحركة بشكل حر عكس مختلف الفنون، ويهدف إلى تطوير قدرات العاملين في مجال الرقص في فلسطين.
من جهة أخرى يرى فنان الرقص المعاصر والممثل المسرحي رزق إبراهيم: "الجميل في المعاصر أنه خالي من القيود، وبعتمد فقط على احساسك وعلى تجربتك الشخصية، وبحب يكون موجود أكثر عنا والناس تتقبله وتفهم أنه بحمل رسائل كبيرة، وكل الناس بتقدر تمارسه، بالنسبة إلي حصص الرقص المعاصر جزء من الجنة، لانها بتساعد على التفريغ النفسي وفيها بتحس حالك حر، واحنا منتقبل النقد لأنه ما في إشي بدخل على الثقافة ببساطة، لازم يكون في مطبات ومنع لحتى يصير مقبول ومُباح".
الرقص المعاصر يخلق من ثقافة معينة ونتيجة تجربة شخصية، وهو ليس محدوداً بحقبةٍ زمنيةٍ معينة، لكن مضمونَه معاصر، حيث يخضع الراقص فيه إلى اختبارات للتعرف على تفكيره وخلفيته الثقافية وشخصيته واهتماماته، إذ تقع على الراقص مسؤولية أمام الجماهير فهو يعتبر وسيلة للتعبير عن أي رأي ورسالة. واللغة الجسدية هي لغة مشتركة يفهمها الجميع ما يجعل هذا النوع من الفن أو الرقص ذو هدف ما.
تهدف عروض الرقص إلى تعزيز لغة الحوار والتبادل الثقافي بين الشعب الفلسطيني وشعوب العالم. أكد مدير النشر في وزارة الثقافة عبد السلام العطاري على أن الوزارة لها دور كبير في دعم الفن الفلسطيني والفن العالمي بمختلف أنواعه حيث قال: "أولا نحن كوزارة ثقافة نقوم بإعطاء الأولوية والمساحة الكافية لتراثنا الفلسطيني المتمثل بالدبكة الفلسطينية ومن ثم إقامة وتخصيص عروض لرقص معاصر، وأن نقرأ لكتاب فلسطينيين كيحيى يخلف وزياد خداش قبل أن نقرأ لمركيز".
وأضاف عطاري: "نقوم بتعزيز دور المهرجانات التراثية ومن ثم نقوم بدعم أي مهرجان عصري حتى لا نفهم خطأ فنحن لسنا ضد العصرنة والإنقتاح وفي ذات الوقت لا يكون هذا على حساب تراثنا، ونقوم دائماً باستقطاب المهرجانات الخارجية بالتعاون مع المؤسسات ذات العلاقة مثل سرية رام الله وغيرها من أجل إضافة نوع جديد للساحة الفلسطينية ومواكبة كل ما هو جديد في عصر الفن".
والرقص المعاصر يُعطيك كمشاهد خيالاً واسعاً تستطيع من خلاله رؤية الأشياء بطريقة أخرى، ومن زاوية مختلفة، وهو ما يجب أن تكون عليه علاقتنا بالفنون بصفة عامة. المشاهد تعوّد على تلقي الفنون الكلاسيكية الواقعية التي تعطيه ما يفهم، فلابُد من المشاهد أن يقبل فكرة أنه يستطيع مشاهدة عرض فني معاصر ويخرج من القاعة لا يفهم شيء، وهذا ليس معناه إنه غير مثقف أو جاهل أو غير متذوق للفن.
وفي السياق ذاته قالت مسؤولة الإنتاج والتدريب في فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية نورا بكر: "تاريخياً الرقص الفلسطيني مرتبط بالفلكلور وتحديدا "الدبكة" الموجود منذ القدم والتي نستطيع أن نراها في الشارع غير مقبولة للبعض من المجتمع الفلسطيني، رغم أنها جزء من ثقافتنا، يوجد هناك هجوم مباشر على الفرق والمؤسسات الفنية، فما بالك الرقص المعاصر المأخوذ من نمط أوروبي أمريكي يتم النظر إليه على أنه غريب، صعب فهمه، لكن وجوده مهم فهو يعزز الإختلاف داخل الشعب الفلسطيني وهذا ما نسعى إليه كفرق فنية".
وتابعت بكر: "يجب أن يكون هناك تكاتف مجتمعي بين المؤسسات الفنية كون الرقص المعاصر غريب عن ثقافتنا، وعلى المؤسسات أن تكون ذكية في اختيار العروض للجمهور ليشعروا باتصال بينهم وبين هذه العروض، ولكي يتم بناء جمهور يدعم هذا النوع من الرقص ويهتم به، والفن المعاصر محور أساسي لاستقطاب الجيل الشاب الذي يساعده في تكوين شخصيته".
يتميز الرقص المعاصر باقتراح ابتكارات مكثفة والتي غالباً ما تمزج بين الإيقاعات، مثل: الباليه والجاز والهيب هوب، اليوغا، البيلاتس، والفيتنس، وتأتي أفكار العروض من السياق الاجتماعي والبيئة المحيطة فيها ومن الوضع السياسي القائم في بلد ما.
الجسد اليوم أصبح وسيلة نُعبّر من خلاله عن أفكارنا وفلسفتنا، فالجيل الجديد لديه حرية وهوية أقوى من الأجيال السابقة، فقد أعادت هذه العروض الوجود للفنان حيث يرقص في الشارع وسط الناس ويستطيع أي فرد من الجمهور أن يحكي ويتناقش معه حول الرقص، ما أسهم في كسر جدار النمطية والكيفية التي يتم فيها التعاطي مع الجسد في الأزمنة والأمكنة المختلفة ليتسلسل إلى ثقافة شعب شرقي فلسطيني.
- الصورة من الإنترنت