العقوبـــات المدرسيـــة الناعمـــة... بديـــل للعصـــا

2017-01-19 13:57:13

غدير منصور/رام الله

يقول سيغموند فرويد: "بدأت الحضارة عندما قام رجل غاضب لأول مرة بإلقاء كلمة بدلا من حجر".

وقال لي معلم في مدرسة حكومية ذات مرة إنه لا حل ناجعا غير الضرب، وإن الكلمة لا تطرح نتيجة مع الطلبة الذين باتوا يردون على كلمة المعلم بعشر، بل وفي بعض المدارس أقدموا على ضربه! وإن زمن احترام المعلم قد ولى. وأضاف بنبرة آسفة: "يرحم الله أياما كنا نرى المعلم فنغير الطريق مهابة واحتراما"!

وبين القولين نغلّب الرأي القائل إن الكلمة أقوى من الحجر والعصا أيضا، وإن سوء سلوك الطالب وتقصيره الدراسي وشغبه تحتاج لحل بعيد عن التعنيف الذي يعلم على الأبدان والأنفس، وهنا طرحنا السؤال على المعلمين: ما هو بديل العصا إذا ما الأمر استعصى؟

يقول مطيع القريناوي؛ معلم اللغة العربية في مدرسة أسعد الصفطاوي بغزة: "اضطر أحيانا إلى عدم السماح لبعض الطلبة المشاغبين بالإجابة والمشاركة طول الدرس كحل بديل عن الضرب". في حين يحرمهم  المعلم آسر رحيم؛ من نفس المدرسة، من حصة الرياضة، أو يوقف الطالب على السبورة رافعا يديه ورجله. أما المعلم وائل أبو ناصر فيعمد إلى إيصال الرسالة للطالب دون ذكر اسمه كأن يقول: " أنا أعرفك، اخرج وحدك أفضل لك، ولن أبدأ الحصة حتى أراك عند السبورة".

وتقول زمزم بشارات؛ معلمة في مدرسة بنات الرام الثانوية: "ألجأ للنصح والإرشاد بالحسنى، ويمكننا أيضا إشراك الطلبة ذوي التحصيل المتدني بأعمال مختلفة مثل مسابقات الرسم أو الرياضة، وتقديم الجوائز، وزيادة علامات النشاط؛ لحفزهم وتعزيز ثقتهم بأنفسهم".

وتم التوافق بين معلمات مدرسة بنات جبع على عقوبة واحدة، توضحها المعلمة إكرام عساف، حيث يتم إرسال الطالبات إلى مديرة المدرسة لتتولى مهمة التوجيه والنصح، أو استدعاء أولياء الأمور.

"يا بني؛ أنت محترم، وابن أناس محترمين، أحسنوا تربيتك.. وذكي، ولا يجوز أن تفعل ما فعلت". بهذه العبارات ينهى المعلم عمر القططي؛ من مدرسة ذكور جبع، طلبته عن سلوك سيئ، بدل الضرب،  ويضيف: "أتعمد إحراجهم بعبارات الثناء بدل التوبيخ".

أما المعلمة غادة محيسن؛ من مدرسة العباس بن عبد المطلب بغزة، فأساليبها العقابية تتمثل بحرمان الطالبات من بعض الأنشطة التي يحببنها مؤقتا، أو من المشاركة في النشاط الصفي والرحلات المدرسية. وتؤكد المعلمة لمياء فرج؛ من نفس المدرسة، على جدوى هذا الأسلوب، وتقول: "عندما تحرم الطالب المشاغب من نشاط يحبه، أو تنقص علاماته، فسيشكل رادعا  مجديا".

ولكن هذه الأساليب التي يعتبرها معلمون رادعة، يعتبرها آخرون، ومنهم خالد العربي؛ معلم التكنولوجيا في مدرسة ذكور جبع، راحة واستراحة للطلبة اللامبالين، أو كما يصفهم "المبلدين"؛ كونهم لا يأخذون المدرسة ككل على محمل الجد، لهذا يضطر أحيانا لاتباع أساليب أكثر حزما.

عنف من نوع آخر

وإن كان الغرض من أن نتعرف على بدائل العقوبات العنفية في المدارس تعميم التجارب التي وصفناها بـ"الناعمة"، إلا أن العقوبات التي يعتبرها المعلمون ناعمة، هي في الحقيقة عنف من نوع آخر؛ حيث تعرف الأخصائية الاجتماعية والنفسية؛ جيهان أبو الحوف، العنف على أنه كل سلوك يؤدي إلى إلحاق أذى؛ لفظيا أو جسميا أو نفسيا، بالفرد أو بالآخرين، أو إلحاق الضرر بالممتلكات بشكل متعمد، بما فيها الإهمال المتعمد والإيذاء الجنسي. وعليه فإنها تعتبر أن عقاب الطالب برفع يديه ورجله، أو حرمانه من الأنشطة المحببة لنفسه، أو من رحلة تنظم مرة  كل عام، أو حتى جحرهم وتوبيخهم، هو عنف نفسي ولفظي قد يكون أكثر إيلاما من الضرب، و"كأننا نقول للطالب أنت فاشل وسيئ وتستحق التهميش والعقاب"، وهذا "لا يحل المشكلة"، وتقول: "على المعلم أن يفكر مليا في الأسباب التي تدفع الطالب للتقصير أو الشغب، ويتبع أسلوب الحوار". وتشير إلى أنه علينا أن نتنبه إلى حاجة الطلبة الدائمة لأنشطة تفاعلية وأساليب غير تقليدية في التعليم حتى نستطيع ضبطهم وتعليمهم.

وتعلق على المبررات التي تدفع المعلم لاتباع العنف الجسدي أو النفسي، وأهمها ضعف عدد كبير من الطلبة، وازدحام الصفوف، بأن اختلاف مستويات الطلبة أمر طبيعي، وأن الحل يكمن في أسلوب التعليم بمجموعات طلابية يسند فيها الطلبة بعضهم، وعمل مسح داخل كل صف لتقييم الطلبة، ثم فرض حصص خاصة لذوي التحصيل المتدني، تتبع فيها أساليب مناسبة ضمن إستراتيجية تطوير وبناء تقوم بها المدرسة مع وزارة التربية والتعليم؛ "فليس المهم إنهاء المنهاج، ولا ترفيع الطالب ودفشه، بل المهم قيمة ونوعية المحتوى المقدم للطلبة حتى وإن كان قليلا" كما تقول. وتوضح أن تعزيز الطالب وحفزه ودمجه أفضل الحلول؛ كونه يعزز ثقته بنفسه، ويخلق لديه دافعا للتغلب على نقاط ضعفه، وتقول: "على عكس ما يظنه كثير من المعلمين؛ فإن لعبارات التحفيز والثناء وقعا إيجابيا كبيرا على نفوس الطلبة حتى أعنفهم". كما إن للمرشد النفسي دورا لا يستهان به في إصلاح الطالب.

دور وزارة التربية والتعليم

وتجدر الإشارة إلى أن مناهضة العنف في المدارس تقع ضمن أولويات وزارة التربية والتعليم، التي حددت سياسة واضحة بهذا الخصوص، تعرف بسياسة الحد من العنف وتعزيز الانضباط المدرسي، التي أعدتها  بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة - يونيسف. وفيها تؤكد أن الحق في التعليم، يبقى منقوصا إن لم يواكبه الحق في الحماية. لذلك أصدرت العديد من التعليمات التي تمنع أشكال العنف، ونفذت العديد من البرامج والأنشطة والفعاليات التي تعزز حماية الطفل والمعلم على حد سواء، إضافة لتضمين الكتاب المدرسي ما يعزز ثقافة الحوار.

ولم تغفل الوزارة أن الحد من العنف قضية مجتمعية متشابكة، ولا يزال رغم كل الإجراءات منتشرا، فطالبت في سياستها بتضافر جهود القطاع العام والمجتمع المدني، في إطار تنسيقي فعال، يحدد الأدوار والمهام، والآليات التنفيذية.

اخترنا لكم
عماد ابو الفتوح عندما عرفت أن الرواية القا...
سلمى أمين هل تمنّيت يومًا أن تتحدّث أكثر م...
 هند الجندي ينظر معظم الناس للأذكياء...
لينا العطّار/  اخترنا لكم من اراجيك...
بقلم: تركي المالكي الحياة مليئة بالجمال وا...
اخترنا لكم هدى قضاض- اراجيك  يعد ا...
منوعات
نغم كراجه/غزة يواجه الشباب صعوبة في إيجاد...
رغد السقا/غزة يمر ذوي الإعاقة بظروف نفسية...
سها سكر/غزة "لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أ...
نغم كراجة/غزة "أمي لم تفِ بوعدها، أخب...
إسراء صلاح/غزة هنا غزة المدينة المنكوب...
عرين سنقرط/القدس ربما قطار الفرح في مدينتي...