علاء ريماوي/ رام الله،
تحتل الدراما السورية مكانة رفيعة في الدراما العربية، وتحظى بمتابعة الشعوب العربية بصورة كبيرة؛ نظرا لتنوع القضايا التي تطرحها اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا كغيرها من المسلسلات العربية، ويتميز الوسط الفني السوري بنقل المشاكل التي يعاني منها الشارع العربي بشكل عام والسوري بشكل خاص، ويظهر ذلك بشكل واضح بعد الأحداث السورية منذ عام 2011، حيث حيثيات ما يدور هناك وركزت على نوعين من الدراما هما التراجيدي والكوميدي.
الإسقاط الفني لقضايا المجتمع لم يكن وليد اللحظة، وكانت الدراما العربية منذ بداياتها تناقش قضايا مجتمعية، لكن التركيز على الجانب السياسي بدأ بعد ما بات يعرف بالربيع في مصر وتونس وليبيا وسورية.
مسلسل "الواق واق" للمخرج ليث حجو والمؤلف ممدوح حمادة؛ يصنف ضمن الأعمال السورية الكوميدية، واعتبر من أضخم الأعمال خلال هذا الموسم، نظرا لمكان التصوير والتحديات التي واجهت الممثلين في التأقلم بالمكان الجديد وهو جزيرة في دولة تونس، لكنه كان فرصة لبلورة الفكر السياسي وإسقاطه في الفن السوري بصورة ظاهرة لا مبطنة كما كان سابقا.
"الواق واق"، امتداد لجزء من المسلسلات السورية الكوميدية التي تنقد السياسات الداخلية والخارجية أسوة بضيعة ضايعة لنفس المخرج والمؤلف، لكن الفرق أن الأخير أنتج قبل بداية الأحداث، فكان المشاهد يلتمس الفساد الذي كان يدور في مؤسسات الدولة، ممثلا بمغفر صغير في ضيعة بعيدة عن مركز العاصمة دمشق، وجسد فساد الشخصيات السياسية كالمختار مثلا.
رسالة من الواقع بعيون المؤلف ممدوح حمادة، الواق واق فكرة تم تجسيدها في مسلسل سوري كوميدي يتحدث عن مجموعة من الأشخاص الذين هاجروا من سوريا طالبين العيش الكريم في الولايات المتحدة الأمريكية، ولعل غرق السفينة هو بداية الحديث عن المجتمع الفاسد الذي يريد أن يطرحه المؤلف من خلال العمل للمشاهد العربي على وجه العموم والسوري على وجه الخصوص، ليحاول أولئك الناجين من غرق السفينة بناء مجتمع "فاضل" على الجزيرة التي سميت بالواق واق والتي تعني من منطلق اللهجة السورية؛ المكان المجهول.
التعددية والاختلاف حاضرين في المجتمع الذي حاول الناجون بنائه على الجزيرة المنكوبة، فهنالك شخصية تجسد الفكر اليساري والثوري، وأخرى تجسد الحكم الديكتاتوري العسكري "فالمارشال عرفان الرقي"؛ الذي جسد شخصيته الممثل رشيد عساف وبدء بمقولة "حكم عليك الموت شنقا"، موجها ذلك لشخصية الكابتن طنوس، وشخصية المسؤول الفاسد إلى جانب مجموعة من الشخصيات كالطبيبة بشهادة مزورة، رجل أمن وآخر "إرهابي" والشاعر المعارض الذي يخاف من جور الأنظمة وقمعها، والمحامية المدافعة عن حقوق المرأة بصورة مفرطة، ورجل الدين الذي صور كما يراه الكاتب والمخرج على انه الأكثر شناعة بسلوكه المختل الذي ينافي كثيرا من تعاليم الإسلام، والشخصية المنبوذة من قبل الجميع، وآخرون أقل أهمية هم الشعب الذي يبقى تحت سطوة الشخصيات القوية نتيجة للخوف.
تدور الأحداث بشكل متسلسل في عملية بناء مجتمع "واق واق" الجديد ونرى المناوشات أثناء النقاش لطرح قانون أو نظام عمل ليلتزم به شعب "درة الزبد" كما قاموا بتسميتها، خلاصة المشاهد تروي في كل حلقة قضية ما بطريقة درامية كوميدية، ولعل الكاتب كان أقرب إلى بعض المواقف، وعكست بعض المشاهد تعظم المارشال، وكان جمال الختام بأن ترك المقيمون الجزيرة ليترك لنا الكاتب مساحة لنرى أن الأمور قد تكون معقدة والقضايا شائكة والحق يختلط بالظلم والشعب في حيرة نتيجة التراكمات الفكرية والحزبية والدينية التي كونت شخصيات المجتمع، ومثلت فلسفة الحلقة الأخيرة نقلة الذكية في مجريات الأحداث التي صيغت في الحلقات السابقة.
ويعتبر المحتوى الفكري والمنتوج الثقافي العربي هو نتيجة طبيعية للسياسات والثقافات التي فرضت على الشعوب العربية من قبل الأنظمة أو الثقافات الخارجية، ولعل المخرج في الواق واق يريد أن يظهر لنا أن الحالة التي نمر بها مشوشة، كما أظهر رأيه بأن العلمانية معتبرا أنها أداة سيطرة على الحكم وإرضاء الشعب في نفس الوقت.
من هنا وجب علينا عدم زج اختلافنا الفكري والثقافي والديني... الخ، لنقف مجتمعين في وجه محاولات الزج في الحروب والصراعات.
-صورة من الإنترنت.