عبدالكريم عودة/غزة
في الحقيقة لا أدري ماذا يحدث، سنةٌ تنصرف وتأتي أخرى، أضعُ فيها كفّي على رأسي مُتحسّساً الشعرةَ البيضاء التي ألعنُها كلّ صباح، أراقبُ منشورات الأصدقاء وهم يحتفلون وعلى ماذا يحتفلون، لا أعلم !
تُراسلني صديقةٌ فلسطينية مُتغرّبة تُحدّثني عن أطفالها الذين يحتفلونَ على أصوات القذائف في سوريا. أمرٌعجيبٌ بحقِّ السّماء .! ماذا ستفعل السنة الجديدة بضحايا العالم الذي صنعتهُ أيادي الأغبياء ؟
أمّا في غزة وجهنا الشاحب ووجههُ المدينة المُتْعّبْ، وبينما كنتُ أحتسي قهوتي الصباحية على شُرفة منزلي، شاهدتهُ يُفتّشُ بينَ القُمامة، ملابسهُ رثّة و بالية، و جبينه مُقطّب حُزناً وغضباً، وظهره مُنحني عجزاً وضعفاً، و بينما كان غارقاً بين ثنايا حاوية " الزبالة " هممتُ بتصوير المشهد لإظهار مدى سوء الحال الذي وصلنا إليه، فأصابتني الصدمة عندما شاهدتُ قِطّة تقتربُ من الرجل دونَ خوفٍ أو وجّلْ حتّى لاصقته وأوغلت رأسها بين القمامة، لتبدأ هي الأخرى في البحث مثله عن لقمتها، و يا لِسُخرية الواقع الأليم أنَّ التنافس بدا واضحاً بينهما _ الإنسان والحيوان _ للعثور على ما يسدُّ الرمق في هذا المكان، فأعدتُ هاتفي إلى جيبي؛ لأنه لا جدوى من تصوير موقف لا يحتاج لتجميد اللحظة المأساوية بقدر حاجته لإجراء فعلي ممن تقع على عاتقهم المسؤوليات واتخاذ القرارات تجاه الحالات الانسانية الملحة في قطاع غزة وغيرها، مع الاشارة الى ان مثل تلك الحالات يكفيها ضمير صاح . ومن المؤسف ان الكثير من الاطراف المقصرة بحق هؤلاء نراهم في المحصلة يتقاتلون أمام الكاميرات لأجلهم، بينما يمتطي أبناء اغلبهم صهوة الجيبات الحارقة للبنزين الكافي ثمن إستهلاكه يوماً إطعامُ رجُلٍ كهذا " خبز حاف " لمدّة شهرٍ على الأقلّ .
تُراودُني بعض التعابير التي لا تُوحي بشئٍ جديد، رُبما أخدعُ نفسي أنْ يفرحَ قلبي و يشاركَ العالم فرحته المنقوصة، والتي يحتفِلُ فيها الفقراءُ على أبوابِ الحاناتِ لِيَحتسوا من رائِحةِ الخُمورِ شُرْبةَ سُكْرٍ تُنسيهم حقّهم في الحياة . وما يُضحكُني حقاً هو أننا لا زِلنا نحتفل .. لا لشئ .. فقط لنحتفل !.