لينا العطّار/ اخترنا لكم من اراجيك
راقب أفكارك لأنها ستصبح كلماتك
راقب كلماتك لأنها ستصبح أفعال
راقب أفعالك لأنها ستتحول إلى عادات
راقب عاداتك لأنها تكون شخصيتك
راقب شخصيتك لأنها ستحدد مصيرك
مقولة متداولة منسوبة لفيلسوف صيني تلخص لنا كيف تتشكل شخصية الإنسان منذ الولادة وحتى الوفاة، ومن أين تنشأ كل تلك السلوكيات التي يحملها في داخله، و تسيّر حياته و يتصرف على أساسها.
تبدأ حياة الإنسان بمولود لاحول له ولا قوة ولا قدرة على فعل شيء إلاّ تلك الأفعال اللاإرادية، ثم تستمر حياته ويكبر الطفل لتصبح بيئته هي التي تحركه وتدفعه لتعلم المهارات والسلوكيات التي لم يعرفها، يبدأ بتعلمها حين يرى من حوله يقومون بها ثم يبدأ بتجربتها و التدرب عليها حتى يتقنها ويقوم بها دون مساعدة أحد مثل: (المشي ، الكلام ، الاستحمام… إلخ).
تُعرّف المهارة السلوكية بأنها القدرة على الأداء بشكل فعّال في ظروف معينة يجد المرء نفسه بها، بحيث تتحقق لدى المتعلم بجهده الذهني فتكون قد أصبحت جزءاً من مخزونه وأصبح يستعملها في مواقف مختلفة، وكررها وحقق المستويات التي تتنبأ عن اتقانها في معالجة المواقف، وتنظيمها وهنا تصبح المهارة عملية ذهنية أي تصبح جزءاً من ذاته المعرفية الذهنية .
قام علماء علم النفس التربوي بتقسيم عملية تعلم المهارات السلوكية إلى أربعة مراحل تتكون من خلالها السلوك في ذهن الإنسان حتى يصبح جزءاً من شخصيته، و هذا السلّم ينطبق على أي مهارة يتعلمها المرء في أي عمر من حياته سواء كان ذلك في الطفولة المبكرة، أم في الشباب، أم الكهولة.
في بداية حياة الإنسان لم يكن يعرف أنّ هناك كائنات تمشي على قدمين حتى بدأ برؤيتها تسير أمامه طوال الوقت، و تتكلم لغة يبدأ تدريجياً بفهمها .
في البداية لا يعرف المرء أنّ هناك مهارة كهذه، ولا يعرف أنّ هناك سلوكاً كالمشي والأكل بالملعقة، و الكثير من السلوكيات الأخرى.
في مرحلة ما من حياتي لم أكن أعرف أنّ هناك مهارة تسمى التعلم الناشط، و بالتالي لم أكن أستخدمها في دروسي و هذه المرحلة يمكن أن تنتهي بلحظة ترى فيها هذه المعلومة في كتاب ما أو مقال في موقع ما ، تنتهي في لحظة يرى فيها الطفل من يمشي ويتكلم أمامه.
في اللحظة التي تتعرف فيها على وجود تلك المهارة في الحياة تدخل في المرحلة الثانية والتي تقرر أنت مدتها التي قد تطول أو تقصر؛ لأنّ الأمر الآن بيديك أنت و انتقل من مرحلة اللاوعي إلى الوعي،و الوعي هو أساس الحياة و المرحلة العليا من التفكير، فحين تنتقل المعلومات إلى الوعي فهي قد طفت على السطح وصار بإمكانك اصطيادها و الاستفادة منها .
أنت الآن تعرف أنّ هناك مهارة المشي، وتعرف أنّ هناك التعلم الناشط، وتعرف أنّ هناك سيارة يمكنك أن تقودها، وأنّ هناك لغة سنسكريتية لتتعلمها وتتقن التحدث بها… الكرة الآن في ملعبك…
ما الذي يدفع طفلاً لتعلم المشي؟ أو يجعلك تسعى لتعلم قيادة السيارة، أو تحاول إتقان اللغة السنسكريتية وتعلم التحدث بها؟
هنا يلعب الحافز دوراً أساسياً في الانتقال للمرحلة التالية، فبينما قد تتجاهل وجود اللغة السنسكريتية و لا ترغب بتعلمها تقوم بتعلم قيادة السيارة، أو مهارة إدارة الانفعالات و ضبطها…
زمنياً هذه المرحلة تستغرق الوقت الأطول؛ لأنّها تتضمن تعلم المهارة بتفاصيلها كلها، و التدرب عليها حتى إتقانها .
تتعلم اللغة الجديدة كلمة كلمة ثم تبدأ بتشكيل جمل حتى تستطيع كتابة مواضيع وقراءة كتب كاملة بها، تبدأ قيادة السيارة بالكثير من الأخطاء و الحوادث البسيطة و الارتباك أثناء النقلات في السرعة و إيقافها في المكان المناسب، و تحتاج أن تكون خلال هذه المرحلة بكامل وعيك أثناء التعلم حتى تستطيع الإلمام بكل ما يحدث حولك، والتركيز على عملية التعلم و فهمها بشكل كامل.
بعد كل ذلك التدريب والوعي بالمعلومات و محاولة القيام بكل شيء كما يجب، تصل إلى مرحلة القيام بتلك المهارة دون أن تفكر بكل خطوة أثناء القيام بها.
تقود السيارة وأنت تأكل، وتفكر، وتخطط ليومك كاملاً دون أن تفكر بكل حركة عليك أن تقوم بها، تتحدث لغة تتقنها ببراعة وطلاقة دون حاجة إلى التوقف لثوان قبل أن تتفوه بأي جملة، وتضع الزمن المناسب لها أو الكلمة المناسبة للسياق.
الآن أنت تمتلك المهارة و التي باتت جزءاً لا يتجزأ من شخصيتك، وحتى لو تركت ممارستها فترة من الزمن ستعود لها وكأنك لم تتركها؛ لأنّها باتت جزءاً من عقلك اللاواعي الذي لا ينسى ولا يهمل شيئاً تراه، فهو المخزن العملاق الذي يحوي كل ذكرياتك و مهاراتك .