سامية صلاح الدين / القدس
حينما طلب مني أن أجري مقابلة في فلسطين عن نموذج للشاب القائد، كان أول اسم خطر في بالي هو سائد كرزون، الذي قال لأمه: "أنت ملهمي الأكبر يا أمي"، قبل أن يتوجه إلي ويتابع: "هي مصدر كل شيء جميل، كل تخطيطي ونجاحاتي يرجع لأمي".
"الموسيقى حولتني من طفل خجول كسول إلى الأول على المدرسة"
لطالما نعت سائد في طفولته بالغبي، وكان نادرا ما تقل عدد الخطوط الحمراء في شهادته عن أربعة. لكن الموسيقى "غيرتني" كما يقول، وحولته إلى طفل آخر، تخرج في الثانوية العامة من مدرسة ذكور رام الله الثانوية بمعدل 96 في الفرع الأدبي.
ها أنا الآن يا سائد كتب عنك، أتنقل بين معزوفة "المجنونة"، ومعزوفة "عطر الغجر"، اللتين يعزفهما سائد بشغف، سائلا كلماتي أن توفيك حق جهدك وسهرك وتعبك وعطائك، وتطوعك وجدك ونجاحاتك.
"اندعكت، ما خليت مؤسسة ما دخلتها... التطوع، الكد والتعب والجهد والاجتهاد"
في عمر الخامسة عشرة، عمل مع جاره على بسطة إكسسوارات، تعلم معها لغة السوق، وكيف يتحدث مع الناس؛ يفاصلهم ويقنعهم، على اختلافهم.
وأثناء دراسته الجامعية، اشتغل عتالا، حيث يقول: "ولدت في عائلة غنية جدا، لكن والدي خلال الانتفاضة الأولى خسر أمواله، وأصبح عاطلا عن العمل". فالمعادلة إذن عكسية، تحولت العائلة من غنية لعائلة فقيرة، فكان سائد ينزل "كونتينرات" في عز الليل. وعمل أيضا في مخبز جوهرة القدس، فكان يرفع الطحين، وينظف المخبز الساعة الثانية صباحا.
حتى التجربة السلبية تتحول إيجابية فيما بعد، والقرارات المصيرية تتغير، ومسار الحياة يتغير نتيجة عمليات التعرية والتصحر السلوكي، ونحن نحدد الهبوط أو الارتقاء.. ولا يحفظ شكلك واحترامك أمام نفسك وفي عقول الآخرين إلا عملك وأخلاقك. هكذا يعتبر سائد كرزون.
كيف توفر قسطك الجامعي؟
حين نجح في الثانوية العامة، لم يكن لدى أهل سائد مال ليسجلوه في الجامعة، فباعت أمه آخر سلسلة ذهبية لديها؛ ليكمل تعليمه، وحصل سائد على مساعدة مالية من جمعية إنعاش الأسرة لإكمال قسط الجامعة، واشتغل في مصنع داليا للكرتون خلال فترة الشهرين ما بين إنهاء الثانوية العامة والالتحاق بالجامعة، حيث يقول: "حصلت على 1500 شيقل، وضعتها مع ثمن السلسلة والمنحة، لأدفع القسط الأول في السنة الدراسية الأولى بجامعة بيرزيت".
"الموسيقى ملهمي لتغيير حياة الأطفال في المخيمات والقرى والمدن"
خلال التحاقه بالجامعة منذ عام 2003، بدأ رسميا أول مشروع في حياته، تمثل في تأسيس جمعية "الكمنجاتي"، حيث يقول: "نشأت في عائلة موسيقية، ودرست الموسيقى في معهد صغير، ولها دور كبير في التأثير بحياتي". في العام ذاته التقيى صدفة بصديقه رمزي أبو رضوان، واتفقا على فكرة "الكمنجاتي"؛ ليتحول شغفهما بالموسيقى إلى شغف بتغيير حياة الأطفال في المخيمات والقرى والمدن.
"من متطوع صغير إلى رئيس مجلس شارك"
من أهم تفاصيل حياته ونقاط التحول الكبيرة، تطوعه في صندوق شارك الشبابي، الذي صقل شخصيته، وعرفه بمؤسسات وأنشطة مختلفة. وفي شارك، تحول من متطوع إلى عضو، ومن عضو إلى أمين سر، إلى أن تسلم عام 2010 رئاسة مجلس الإدارة في شارك.
"24 ساعة شغل وعطاء ومثابرة"
في عام 2007 تقدم بطلب إجازة مدتها شهران ليتوجه إلى فرنسا ليعمل في إذاعة مونتيكارلو الفرنسية. كان حينها خريجا جديدا، حيث يستذكر قائلا: "قام رئيس التحرير في أول يوم لي في الإذاعة بإعطائي خبرا لتحريره، ففعلت ذلك سريعا، ثم قرأه ومزقه ورماه في سلة المهملات، وقال لي: "لقد أعطيتك خبرا جديا فتعامل معه بشكل جدي؛ ابحث وفكر وأبدع وركز". ثم بعد أسبوعين من التدريب كنت على الهواء مباشرة من إذاعة مونتيكارلو، حيث قمت بعمل تقارير للإذاعة، وكانت فترة مميزة بالنسبة لي، ومن أجمل أيام حياتي".
وفي عام 2011 عمل في شبكة أمين الإعلامية، وكان أول شخص آمن بسائد، وتبنى مشروعه الذي يهدف إلى تدريب الإعلام والإعلام المجتمعي، هو خالد أبو عكر، الذي "أشكره من كل قلبي" كما نقتبس عنه.
وفي نفس العام بدأ يتردد على مؤتمرات للمدونين بلبنان وتونس ومصر، وبدأ يعمل رسميا في عالم التدوين ضمن شبكة المدونين في العالم العربي، حيث ساهم التدوين في خلق حراك مجتمعي.
"نصيحتي للشباب: خلو أهدافكم مجنزرة توكل الأخضر واليابس"
شمر واشتغل، يكفي هذا البكاء الذي يبعدك، حارب نقاط ضعفك. وتجد من يقول: "لا يوجد عمل. تعبت من وضع البلد. فلان صار مديرا". يقول سائد: "أرجوكم لا تتطلعوا إلى نجاحات الآخرين، وانسوا كلمات الضعفاء، وركزوا على أهدافكم، وأبقوها مجنزرة تأكل الأخضر واليابس، تدربوا وتطوعوا في المؤسسات".
وقد أسس اسس سائد مؤخرا شركة خاصة أطلق عليها اسم "تغيير للإعلام المجتمعي"؛ بناء على أهداف ورؤية جديدة وأفكار إبداعية وخلاقة، تتمحول حول ثلاثة أسس: أنت تعرف، YOU NOW، وبنت البلد، وباص المدونين. وقام بتطوير فكرة YOU NOW مع زميلته دانا أبو ليل، وبعد سنة ترشحت لجائزة هولت "Hult Prize"، وهي مبادرة من الرئيس بيل كلينتون، وقام بتعبئة الطلب، وهو على مستوى عالمي ومعقد بشكل كبير. وتعتبر هذه الجائزة من الجوائز العالمية في مجال الإعلام، فبعد تنافس شديد مع أكثر من 10 آلاف متقدم ومتقدمة، تم اختيار مشروعه إلى جانب 300 مشروع للمرحلة النهائية للترشح للجائزة التي تبلغ قيمتها مليون دولار. صحيح أنه لم يفز بها، لكنه قال: "يكفيني شرف التجربة، وشرف وصولي لهذه الجائزة".
"الفرق بين الواقع والحلم هو كلمة من ثلاثة أحرف: عمل" لروجر فريتس
ستبقى يا سائد تخطر على بال الكثيرين كنموذج لشاب يسعى للتغيير في مجتمعه وشبابه، وسيبقى نهجك في الحياة طريقا للنجاح والإبداع والابتكار. اما أنتم يا شباب وطني، فدعونا نكون كسائد في عمله وتطوعه ؛احفروا حفرة، وانثروا البذرة، واسقوها وتابعوها، تنتج ثمرا يانعا. دعونا نبدأ بخطوات أولية نحو التغيير الإيجابي؛ نبدأ من أنفسنا كما بدأ سائد وغيره، ثم أسرتنا، ثم مجتمعنا، ولا تستعجلوا الوقت؛ أعطوا المسائل حقها كي تعطينا نتائج مرضية.