نغم كراجه/غزة
توقفت الساعة وأصبحت الأيام تشبه بعضها، في مدينتي أصبح من المستحيل أن يجتمع الحب والحرب معا، وباتت رائحة الدماء تنتشر في كل مكان وخطفت فرحة الكثير من الشباب، كما حطمت الأحلام المؤجلة لديهم لهول العدوان الذي مارسه الاحتلال الاسرائيلي الغاشم على غزة تجاه المدنيين مخلفا العديد من القصص التى لم يكتب لها نهاية سواء الموت.
شابة كانت تتجهز لزفافها بعد العيد مباشرةً عقب خطوبةً دامت عامين ونصف من الحب، لم تعلم أن بروڤا بدلة الزفاف وتحضيرها لوازم بيتها المستقبلي، وخططها وأحلامها المستقبلية مع خطيبها، وتراكم الديون على خطيبها، ستتحول لذكرى رمادية اللون، نعم كان ينتظرها الموت تحت ركام بيتها وأحلامها المنتظرة دُفنت معها، وأصبح اللون الأبيض هو لون الكفن و ليس فستان زفافها المنتظر!
وهنا شاباً كان يتلهف لقدوم العيد، ليزف إلى نصفه الأخر، أخبر ذويه أنه بعد صلاة التراويح سيذهب لمنزل خطيبته ويدندن لها ويقول:"بدنا نتجوز عالعيد"، لكن سرعان ما تحول العيد لزفافٍ أخر بلا عروسه، ومراسمه معجونةً بالدماء، انتزعت فرحته دون سابق انذار وذنب وأتى مَسرعه مُبكراً ليصبح شهيداً عريس، يا ليت الوقت قد تمهل قليلاً !
و أخراً لم يمضي على زفافه أسابيعٍ معدودة ولا زال يستقبل التهاني والتبريكات، لكنه زُفّ من جديد وانتصر الموت على كل شيء، وأصبحت زوجته أرملة بعد بضعة أسابيع من زواجهم، والتى لم تصدق خبر استشهاده إلا حينما وصل بجثمانه و أيقنت أن الخبر حقيقة، وهنا بدأت صرخاتٌها تصدح في كل مكان، لا أحد يدرك مدى انهزامها وغصة فؤداها !
وهناك بيتاً في كل ركن به حكاية وفاكهته الأطفال وازعاجهم الجميل وأمهم ربة المنزل تصنع لهم الزاد وترعاهم، ووالدهم عمود البيت يكافح ويعمل ليلبي حاجتهم، أحلام أبنائه بسيطة أكبرهم يود أن يكمل جامعته وأصغرهم يريد أن يحصل على لعبة جديدة، تجمعهم مائدة الطعام دائماً، ويبدأ كل فرد بقول ما يدور في باله، البيت كان عامر بالحب و البساطة، سقطت الأعمدة وهُزِم الحب وقُتِلت الأحلام، وباتوا تحت التراب في غمضة عين دون أي جريمة، هُدم المنزل فوق رؤوسهم فجأة لم يودع أحدهم الأخر، جميعهم في صفٍ واحد بقماشٍ أبيض ملطخاً بالدمِ وهياكل أغلبها محروقة و النصف الأخر أشلاء، هكذا كانت نهاية الأحلام السعيدة للعائلة !
كل معادلات الحب في الحرب لا تجتمع في غزة ، يُقتل الحب في منتصف الطريق من جذوره طرفٌ يرحل والأخر يستمر مكلوماً، أما المعادلة الأصعب و الأهون في نفس اللحظة أن العائلة التي احتضنت أفرادها بالحب جميعها ترحل عن الحياة، نحن لا نرغب الموت كما يظن العالم، لكن إن تطلب الأمر انتظارناه، ولاهروب من القدر والواقع، تجدنا أبناء الحروب والمعارك وأيضاً ضحاياها بلا ذنب، كل هذه القصص في غزة متكررة بنفس الأحداث لكن الأسماء اختلفت، لم نجد ُتسعاً للحب هنا فالحب و الحرب لا يجتمعان سوياً في غزة .
مصدر الصورة: الإنترنت