تركيا العربية .. حيث يصنع السعادة الاشد تعاسة

2019-04-09 13:09:47

جوليانا زنايد/ القدس،

على حافة الطريق في شارع الإستقلال ستقابل الإبتسامة الأجمل في وجه العشريني السوري خليل، الذي يتكلم العربية  واثقا من أن الكثيرين سيفهمونه ويرافقونه في رحلاته وحفلاته حيث يجني بعض "الكومسيون" من الشركة الإيرانية المشغلة له كدليل سياحي، خليل نحيل الجسد وعيناه خضراوان لم تشبعا من الحياة بعد...حين سألته عن أهله ومغادرته سورية ابتسم حتى أطبق جفناه على ذاك الخضار في عيناه، وبعد أن أقفل يداه على بضعهما قال "أهلي بعدون في سوريا "، وتابع تبسمه  وجسده يتأرجح وكأن سؤالي افاقه من سكرة دعته للاتصال بالواقع أكثر فأصر الا يتكلم إلا بشأن التذكرة.

 

لم يكن خليل حازما في إنهاء الموضوع لكن إصرار المكلومين على إقناعك بجمال الحياة سيخلق فيك ضجيجا حد الصمت، هذا هو التطرف بعينه أن يتكلم ميت عن الحياة، فيشعر الحي أنه من شدة الألم مات!.

 

أما عن الحفلة التي أقنعني بها خليل وبدوري أقنعت أغلب أصدقائي بحضورها، ليست إلا ملجأ يطفو على الماء وهذه المرة سوريا هي المستضيفة لكل العرب، في البحر اجتمعنا  ورحب السوريون بنا، ونصبوا على كل طاولة علم بلادها، ثم استقبلونا بالعراضة السورية وانتهينا جميعا  بالبكاء، فكلّنا لاجئون غير أن بعضنا لم يغادر بعد!.

 

وفي طريقنا للعودة تعثرنا بطفلة سورية لم تتجاوز الثمانية أعوام جاثية على ركبتيها تعزف ايقاعات الهجرة والرحيل ناقلة حرارة لم تعزفها كل بنادق الحرب، لا طاقة لها لإخفاء حزنها، صامتة هي وإن سألتها ستشيح وجهها  رافضة الكلام.

ليس من الصعب على تركيا أن تحمل في قلبها كل هذا التناقض، فهي توازن بين الليّن والقسوة، والجمال والقبح أليست هي الدولة الأوروبية الآسيوية والمسلمة العلمانية؟!، في تركيا حيز لكل شيء وفيها يمكنك أن تكون ما تريد.

فيها من النشوة ما يكفيك لعمر أو أكثر فلكل الأشياء حدة وكل الصور تتكلم، ستخبرك  هناك  اللهجات السورية حكاية لم تتوقع سماعها على أرض بهذا الجمال، ستمر بك بداية من اللهجة  الأقرب إلى فلسطين وصولا إلى السورية المثقلة باللهجة العراقية، كلها ستمر على مسمعك في شارع الاستقلال.

 

ورغم لهفتي لملاقه الجميلة إسطنبول، وزخم الصور الوالجة إلى عيناي حتى قبل أن تطأ قدمي الأرض،  رغم تلك النسمات الباردة التي تشفي الروح، ومشهد الثلوج المتراكمة على قمم الجبال، وأكوام الحلويات هنا وهناك، ونغم الموسيقى يملأ الشوارع وعدد لا حصر له من الناس حولي، وكل أشكال البهجة  الممكنة وغير الممكنة، رغم كل المحاولات للترويج لرواية قصة تلك المدينة وخلق ثقافة سياحية أشبه بالأساطير، ثمة ما يكشف عورة اولئك المروجين المصطفّين في الشوارع... ينادوك وإن صمتوا!؛  ففي الوقت الذي  كنا فيه مذهولين بجمال الطبيعة وهدوء المكان كانت تستوقفي وجوه المنادين، وكنت اتمنى سماع ما يتمتمون به في أعماقهم، أولئك الهاربين من أوطانهم لم أقرأ في عيونهم أن لهم وطنا غير ذاك الذي تركوه مجبرين.

 

- صورة من الإنترنت.

اخترنا لكم
عماد ابو الفتوح عندما عرفت أن الرواية القا...
سلمى أمين هل تمنّيت يومًا أن تتحدّث أكثر م...
 هند الجندي ينظر معظم الناس للأذكياء...
لينا العطّار/  اخترنا لكم من اراجيك...
بقلم: تركي المالكي الحياة مليئة بالجمال وا...
اخترنا لكم هدى قضاض- اراجيك  يعد ا...
منوعات
نغم كراجه/غزة يواجه الشباب صعوبة في إيجاد...
رغد السقا/غزة يمر ذوي الإعاقة بظروف نفسية...
سها سكر/غزة "لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أ...
نغم كراجة/غزة "أمي لم تفِ بوعدها، أخب...
إسراء صلاح/غزة هنا غزة المدينة المنكوب...
عرين سنقرط/القدس ربما قطار الفرح في مدينتي...