صدى صوت أبي

2015-12-07 14:24:45

ناريمان شوخة/ رام الله

"أمامي تلفاز مليء بالبرامج، وإلى جانبي مذياع ينطق على التوالي بالأحداث. تلفاز ومذياع وسائل إعلام وضعت أمامي أيقونات كثيرة من علامات التعجب والاستفهام؛ ماذا يحصل؟ وأين؟ وكيف؟ لا أعلم؛ فلا فرق بينهما أمامي، لأنني لا أملك رفاهية الاختيار؛ لأني ولدت فاقدا لحاسة السمع. ولكنني لم ولن أفقد معها حاجتي ورغبتي بمعرفة ما يدور حولي؛ إذ تعنيني كثيرا أخبار العالم، وتهمني أكثر أخبار وطني المتخمة بالمستجدات المهمة، خاصة مع انطلاق الهبة الشعبية ضد اعتداءات الاحتلال  في الآونة الأخيرة.

أنزعج كثيرا عندما يهاجم العدو بقعة من وطني، أو عندما يقتلون مواطنا بدم بارد، أو تسرق فرحة طفل أو تهجر عائلات ويهدم منزل، وأنزعج أكثر لكوني لا أعلم بكل هذه التفاصيل، وكيف حصلت. ألهث وراء معرفة كل جديد دون جدوى.

في كل يوم أتجول بين القنوات الفضائية لأرى الصور والمشاهد لعلي أفهم ما يدور، ولكن قد أفهم شيئا آخر لا علاقة له بما يقال عن هذه المشاهد، فحاسة البصر وحدها لا تكفي لإيصال المعلومة كاملة، وأعود مجددا وأبحث بين القنوات، وكلي أمل أن أجد وسيلة ما تعينني على استقبال المعلومة كشخص ما يقوم بشرح الأحداث لي بلغة الإشارة، فلا أجد؛ ليتحول هذا الأمل إلى سراب ومعاناة وشعور مؤلم كأنني في معزل عن هذا العالم".

كل ما سبق هو صدى صوت أبي، أوبالأحرى ما نقلته لغة الإشارة التي أتحدث بها معه، يشكو والدي ويعبر بحرقة، ولغة عينيه وإيماءاته تعكس ما هو أعمق مما حاولت ترجمته في السطور السابقة. وأعلم أنه ربما يصعب أن تشعر بما أحاول إيصاله، لهذا أدعوك عزيزي قارئ السطور أن تجرب إغلاق أذنيك وسط أفراد عائلتك لبضع دقائق أثناء نقاشهم موضوع مهم، وحاول أن تستدل على المعنى من تعابيرهم وحركاتهم، أراهن بأنك ستستفز داخليا، وستشعر بالفضول ينفجر داخلك لمعرفة الأسباب التي دفعت هذا للضحك، أو ذاك للغضب.

جدير القول إني لم أسرد حال أبي لإثارة الشفقة واستجداء التعاطف وذرف الدموع، بل هي قضية أردت أن أصدرها للعلن من أجل أبي وغيره ممن فقدوا حاسة السمع؛ فأنا لا أمل من شرح الأخبار لأبي بلغة الإشارة، ولا أتذمر منه بأي حال من الأحوال؛ فهذا أقل واجباتي تجاهه. ولكن ماذا عن الآخرين؟ما حالهم؟ كيف يحصلون على المعلومة؟ أو بالأحرى ممن يطلبونها؟ وهل فعلا وجدوا في عائلاتهم من تعلم لغة الإشارة من أجلهم كما فعلت من أجل أبي؟ وما شعورهم عندما يواجه طلبهم بالتذمر؟

وهنا يصبح مشروعا أن نتساءل: أين دور الإعلام في تعزيز وصول المعلومة لهذه الفئة من المجتمع؟على اعتبار أنه الجهة الأبرز في نقل الأخبار والحقائق حول الأحداث التي تدور حولنا محليا وعالميا، وتقع على عاتقها مسؤولية اجتماعية؛ كالتوعية والتعبئة والحشد، وتبني قضايا المواطنين، وإبراز مشاكلهم، ومنهم ذوو الاحتياجات الخاصة الذين هم جزء لا يتجزأ من المجتمع.

ومن المثير للسخرية أن غالبية المحطات الفضائية باتت تسلط الضوء على معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة، وربما أصبح مشهد الإعلامي الذي ينتقد في تقريره من لا يوفرون ممرات خاصة بالمقعدين في الجامعات والمرافق العامة مكررا. ولكن ماذا عن الصم والبكم الذين تستثنيهم غالبية المحطات كليا عندما تبث برامجها وأخبارها، فلا توفر من يترجمها للغة الإشارة؟

على عكس الفضائيات الغربية التي تراعي هذه الفئه وتعرض لهم العديد من البرامج والأخبار بلغة الإشارة،  وأصبح لديها اهتمام كبير بهذه الفئة بعد أن أصبحت لغتهم معترفا بها في كثير من المدارس والمعاهد، وهي إجراءات تعبرعن سمو المشاعر الإنسانية النبيلة التي تكرس عمليا التضامن مع الآخر ومشاطرته الحق والضمان الاجتماعي بكافة صوره.

لن أطيل أكثر؛ فقط أطالب بشكل صريح كل الوسائل الإعلامية أن تأخذ معاناة هذه الفئة المعزولة عن فهم أخبارهم بعين الاعتبار، وأن يكون ما طرحته لفت نظر لتفعيل المؤسسات والجهات المعنية في هذا الجانب من خلال فعاليات وأنشطة مختلفة تنقل رسالة فحواها أنهم كغيرهم ومن حقهم الوصول للمعلومة.

 

 

اخترنا لكم
عماد ابو الفتوح عندما عرفت أن الرواية القا...
سلمى أمين هل تمنّيت يومًا أن تتحدّث أكثر م...
 هند الجندي ينظر معظم الناس للأذكياء...
لينا العطّار/  اخترنا لكم من اراجيك...
بقلم: تركي المالكي الحياة مليئة بالجمال وا...
اخترنا لكم هدى قضاض- اراجيك  يعد ا...
منوعات
نغم كراجه/غزة يواجه الشباب صعوبة في إيجاد...
رغد السقا/غزة يمر ذوي الإعاقة بظروف نفسية...
سها سكر/غزة "لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أ...
نغم كراجة/غزة "أمي لم تفِ بوعدها، أخب...
إسراء صلاح/غزة هنا غزة المدينة المنكوب...
عرين سنقرط/القدس ربما قطار الفرح في مدينتي...