لعنة الطلاق تلاحق النساء

2020-08-27 09:47:17

إسراء صلاح / غزة

لطالما شكل هاجس الأعراف والتقاليد حاجزًا يجبر النساء في المجتمع العربي على العيش مع أزواجهن الذين يمارسون عليهن أشكالاً مختلفة من العنف، ويتحملن شتى أنواع العذاب والإهانة من أجل أن يحافظن على أبنائهن وحتى لا تصل بهن الأمور للطلاق والانفصال، فالحالة الاجتماعية بالنسبة للمجتمع أهم من الحالة النفسية، والموت أفضل من لقب "مطلقة" فالمرأة هي ضحية الطلاق الأولى، فتصبح كالشماعة تُعلق عليها كل سلبيات العلاقة، ولن تسلم حتى لو فعلت المستحيل، حتى لو التزمت فقط بتربية أبنائها وأهملت نفسها ستسمع مصطلح "تربية نسوان" بقصد الإهانة وأنها لا تصلح لشيء، فلماذا كل الظلم بحق المرأة المطلقة، لماذا يفرض المجتمع هذا العقاب كله؟

صفاء شكشك 25 عامًا قتلها زوجها بدم بارد، حيث لاقت قضيتها غضبًا كبيرًا في البداية، صفاء أم لثلاثة أطفال كافحت الحياة وعاركتها رغم صغر سنها، عملت في التجميل والخياطة لتطعم صغارها، وكان جزاء الزوج لها الضرب المتواصل بلا شفقة لعدم إعطاءه النقود، وعندما لا تستطيع الوقوف على قدمها من شدة الألم تعود لأهلها وآثار الضرب على جسدها فيتدخل الأهل تدخلاً يمنع الطلاق فقط دون أن يحل المشكلة الأساسية ويجعلون أطفالها ورقة الضغط وبموجبها تعود لزوجها ثانية.

تقول والدة المغدورة كنا نخاطب الزوج بلطف ونقول له أنها فتاة رقيقة لا تتحمل كل هذا العذاب وأوصيه عليها في كل مرة وأقول له "دير بالك عليها" لكن دون جدوى، وتعود صفاء إلى زوجها كالعادة، في كل مرة كانت تعود صفاء كانت تبكي كأنها ذاهبة للموت، كانت تشعر أنه سينهي حياتها بلا رحمة، لكن لماذا مع كل هذا العذاب كان الأهل يصرون على عودتها إلى بيت زوجها، من أجل الأطفال ... لقد تيتموا الآن؟!

وفي رواية أخرى، أب همجي يقتل ابنته آمال البالغة 10 أعوام، وفي تفاصيل الجريمة كان السبب أن الطفلة لديها رغبة في زيارة أمها المطلقة فجن جنون الأب السفاح وضربها حتى فارقت الحياة، وكالعادة يحكم المجتمع على الجناح المكسور أمها أنها السبب فلو جلست لأطفالها تحميهم من الوحش وتحملت الأسى والإهانة والضرب لما قتلت طفلتها.

هناك فهم خاطئ لدى المجتمع حول فكرة الزواج، فيعتبره أمر لا بد منه وغرضه في البداية ألا تصبح الفتاة عانس ثم يتحول لأن لا تصبح مطلقة دون أي اهتمام للاعتبارات الأخرى، وفي حال فشلت مؤسسة الزواج فالمجتمع لا يقبل ذلك ويعتبر المرأة هي المذنبة وأصابع الاتهام توجه إليها وحدها، لكن الزواج مشروع يحتاج لدراسة معمقة كأي مشروع آخر في هذه الحياة ففيه النجاح والفشل، وهو قرار يستلزم التوافق والتفاهم بين العقل والقلب للحد من الخسائر التي يمكن أن تترتب عن فشله.

فتاة عشرينية تطلقت وقامت بعمل حفلة صغيرة تودع فيها أيامًا سوداء لتبدأ حياة جديدة بفرح وتفاؤل، اشتعل طليقها غضبًا وهو مغترب مقيم في أوروبا، فخرج ببث مباشر يوضح فيه أنه كان يعاملها على أنها سلعة تباع وتشترى وأخذ يروي كيف كان يصرف عليها وأسكنها في شقة باهظة الثمن على حد زعمه كما وعايرها بحقوقها الشرعية من نفقة ومهر ليس هذا فحسب بل طعن بشرفها وأخلاقها، رغم أنه أقر واعترف بأنه في احدى المواقف توسلت إليه ألا يضربها وقد كانت خائفة قبل أن تتحدث معه، في المقابل التزمت الفتاة بالصمت وعدم الرد على اتهاماته، واكتفت بنفي حديثه.

يقول ساشا غويتري عن الزواج: "نادرا ما يكون الزواج زواج عقل؛ ولكن الطلاق يجب أن يكون طلاق عقل، لأن الزوجين يعرف كلاهما الآخر"، لكن متى سيتقبل المجتمع فكرة أن المرأة المطلقة ليست عارًا ولا عيبًا، وأنها خاضت حروبًا وصراعاتٍ نفسية ومجتمعية لا يعلم بها أحد وأنها لم تصل إلى ما وصلت إليه لولا ذلك.

في حادثة عربية لإحدى مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، كشفت مدوّنة الموضة الكويتية روان بن حسين بشأن طلاقها من زوجها الليبي يوسف المقريف أنها استمرت مع زوجها رغم اساءته لها؛ خشية نظرة المجتمع الشرقي إلى المُطلقة، فقررت مسامحته والاستمرار معه رغم خيانته لها، إلى أن وصل بها الأمر إلى ايذاء نفسها جسديًا ونفسيًا، فقد تسبب لها بعدوى فيروس جنسي، وهي الآن تعاني نفسياً من متلازمة ستوكهولم، التي جعلتها تسامح زوجها رغم علمها بخيانته.

فالنظرة الدونية للمطلقة التي كونتها عادات وتقاليد المجتمع تجاه المرأة جعلت الكثيرات يشعرن بالنقص وعدم الثقة مهما بلغت مكانتها، والاستسلام لهذا النقص ستكون المرأة هي الخاسر الوحيد، فعلى النساء أن يصبحن أكثر قوة لأجل أنفسهن أولاً، ثم الوقوف في وجه التجربة الفاشلة وتقول لها بفم ممتلئ: يكفي فالنفس أولى بالرحمة، دون أي اعتبار لكلام الناس، واعلمي جيدًا يا عزيزتي أنه في كل الأحوال المجتمع لن يسكت.

اخترنا لكم
عماد ابو الفتوح عندما عرفت أن الرواية القا...
سلمى أمين هل تمنّيت يومًا أن تتحدّث أكثر م...
 هند الجندي ينظر معظم الناس للأذكياء...
لينا العطّار/  اخترنا لكم من اراجيك...
بقلم: تركي المالكي الحياة مليئة بالجمال وا...
اخترنا لكم هدى قضاض- اراجيك  يعد ا...
منوعات
نغم كراجه/غزة يواجه الشباب صعوبة في إيجاد...
رغد السقا/غزة يمر ذوي الإعاقة بظروف نفسية...
سها سكر/غزة "لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أ...
نغم كراجة/غزة "أمي لم تفِ بوعدها، أخب...
إسراء صلاح/غزة هنا غزة المدينة المنكوب...
عرين سنقرط/القدس ربما قطار الفرح في مدينتي...