يتركون أثرا في الذاكرة والفؤاد

2018-08-15 07:44:46

علاء ريماوي/ رام الله،

لم أكن ممن يفضلون الحديث أمام الناس، ولعلني لم أملك تلك القدرة في سابق الأزمان، كنت متقوقعا على نفسي، شخصيتي لم تكن جاهزة للوقوف أمام ما يقارب 40 طالبا في المدرسة، لكن في بعض الأحيان لا بد من محاربة الضعف الداخلي، تجاوزت ذلك وكانت أول تجربة لي أمام زملائي في العمل في مؤسسة "بيالارا" ومن ثم التجربة التي تلتها أمام رؤساء العلاقات العامة في مديريات التربية والتعليم من مختلف المحافظات، كان ذلك خلال تدريب ضمن أسبوع التربية الإعلامية والمعلوماتية، تجاوزت نقطة الضعف!؛ خصوصا عندما شعرت برضا المشاركون عن أشخاصنا كطاقم ينفذ التدريب، لم أواجه أي صعوبة في كسر الحواجز واستطعت الدخول إلى قلوبهم بكل بساطة...  الأمر لا يحتاج إلا للتحضير والابتسامة في وجه من نقابل.

 

تغيرت قبل أن أغير!

بدأت بتنفيذ التدريبات في المدارس، لم أكن أملك القدرة على الصبر وذلك الهدوء في التعامل، كنت متسرعا، عصبيا وسريع الانفعال؛ لكن سرعان ما تغير الحال، وتبدلت مشاعري عند أول ابتسامة لطالب في الصف الخامس، وطالب آخر رافقني عند انتهاء التدريب وحدثني عن نفسه وهذا وضعني في مكانة القدوة له، وذلك الذي كان يتشاجر مع الطلبة ويحاول فرض هيمنته على المشاركين في التدريب بمجرد كلمة تشجيع مني أصبح الأكثر تفاعلا ونشاطا وانضباطا، وعديد النماذج التي كانت سببا في التحول الذي طرأ على ذاتي وصفاتها، أصبحت أشعر بتلك المسؤولية بكل كلمة تخرج مني أمامهم، أصبحت حذرا من كل تصرف قد يكون غير ملائم بالنسبة لهم، لا أقول أني قد أضفت للطلبة معرفة في مجال ما، وإنما هم من أضافوا لشخصيتي الكثير، أعطوني درسا في كيفية ضبط النفس، ودخلوا قلبي خلسة، لا أحتمل الصراخ في وجه أحد منهم لأني أخشى أن أكون سببا في حزنه، أصبحت الوعاء الذي يصب فيه أولئك الأطفال مشاكلهم وأسرارهم ومعارفهم.

تلك الصرخة التي خرجت من فم ذلك الطفل عندما خطت قدمي ساحة المدرسة، "علاااااء... بيالارا، بيالارا"، رددها فرحا مرارا وتكرارا؛ شعرت بقيمة الطالب وبضرورة فهمهم قبل التعامل معهم، لعل السبب وراء تصرفاتهم الطائشة سوء الفهم، وعدم بناء علاقة معهم قائمة على الفهم الواعي لما يحتاجه الطلبة، لكل كلمة تخرج منهم، ولكل نظرة وحركة.

 

كن نموذجا... تحدث عن ماضيك

لم أعد أكترث لأي لقاء مهما كان الوقت متأخرا أو مبكرا، لم أعد أكترث لعدد الطلبة كثير كان  أم قليل، يكفيني تلك الدائرة التي يشكلونها حولي عند كل نهاية لقاء، فمنهم من يسأل عن أمر طرح خلال اللقاء، ومنهم من يحدثني عن مشاكله، وآخر يحدثني عن ما تعرض له في المدرسة، والكثير يسألونني هل سأبقى في البرنامج؟، وأتذكر أني طرحت مثالا أمامهم عن نفسي خلال تدريب على الإلقاء الإذاعي، كيف كنت خجولا ولم أملك القدرة على الوقوف أمام عدد من الأشخاص حتى لو كان العدد قليلا وكيف تجاوزت هذه العقبة، فسار معي أحدهم حتى بوابة المدرسة يحدثني عن شخصيته الخجولة، وكيف طور من ذاته عبر تطوعه في العديد من النشاطات كالكشافة وفرق كرة القدم، وتركني قائلا... إلى اللقاء يا علاء سأراك غدا، وأتمنى أن تشركني في الإذاعة لحظة تفعيلها... جملة تركت في نفسي أثرا.

 

أصل الحكاية... يملكون الطاقة

لعل الطلبة يفتقدون تلك النماذج التي تحفز قدراتهم على النهوض وتشحذ هممهم نحو إظهار ذلك الطفل المبدع الذي يسكن أعماق شخصية كل واحد فيهم، ولعل طريقة التعليم اللامنهجية تجعلهم أكثر تعلقا بالتعلم على غرار الطريقة التقليدية، ليس من الضروري أن تكون أسوار المدرسة طويلة أو تكسوها أسلاك شائكة، وليس من الضرورة أن يحمل المعلم عصا ليرهب طلبته، وليس من الضرورة أن يقلل الطالب من احترام معلمه حتى لو لم يمتلك تلك الشخصية القوية، الكثير من الممارسات نقوم بها ولا نعي ما تأثيرها على المدى البعيد على قدرات الطلبة واستنهاض أفكارهم الإبداعية، لماذا لم تتغير المدرسة عبر التاريخ، لماذا حافظت على شكلها ونظامها منذ البداية حتى يومنا هذا، والكثير منا شاهد نماذج من المعلمين الذين يخرجون عن المألوف ويصنعون تغييرا إيجابيا في الطلبة وفعلهم.

أشكر أولئك الطلبة اللذين أضافوا لي قبل أن أضيف لهم، جعلوني أفكر بشكل مختلف، وأتعامل مع العديد من الأمور من منظور آخر، لم أعد أنظر للطلبة كنماذج للشغب واللامبالاة، وإنما رأيت فيهم الطاقة التي تحفز لدينا القدرة على التعامل معهم، ونصيحتي أن اقتربوا من قلوبهم ولامسوا البراءة التي من شأنها صقل مجتمع بأكمله.

اخترنا لكم
عماد ابو الفتوح عندما عرفت أن الرواية القا...
سلمى أمين هل تمنّيت يومًا أن تتحدّث أكثر م...
 هند الجندي ينظر معظم الناس للأذكياء...
لينا العطّار/  اخترنا لكم من اراجيك...
بقلم: تركي المالكي الحياة مليئة بالجمال وا...
اخترنا لكم هدى قضاض- اراجيك  يعد ا...
منوعات
نغم كراجه/غزة يواجه الشباب صعوبة في إيجاد...
رغد السقا/غزة يمر ذوي الإعاقة بظروف نفسية...
سها سكر/غزة "لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أ...
نغم كراجة/غزة "أمي لم تفِ بوعدها، أخب...
إسراء صلاح/غزة هنا غزة المدينة المنكوب...
عرين سنقرط/القدس ربما قطار الفرح في مدينتي...