علا حليلو/ غزة
"حريتي...صرخة أرددها بملء فم الغضب، تحت الرصاص وفي اللهب، أظل رغم القيد أعدو خلفها، وأظل رغم الليل أقفو خطوها، وأظل محمولا على مد الغضب، وأنا أناضل داعيا حريتي". بصوت عذب يخنقه الحصار، ينشد لنا محمد البراوي، 21 عاما، هذه الكلمات من قصيدة لفدوى طوقان.
ولد محمد البراوي في قطاع غزة، وهو فنان فلسطيني ناشئ، خرج صوته من قلب المعاناة، ليكسر القاعدة المتداولة في مجتمعه، الذي قد يقف عقبة أحيانا أمام الشاب الذي يسعى نحو حقه في أن يعلو صوته فوق صوت الخوف والحصار.
الإذاعة هي البداية
ساعدت مرحلتا الدراسة الابتدائية والإعدادية البراوي في كشف موهبته، حيث يقول:"كانت البداية من الإذاعة المدرسية، حين كنت أبدع في تلاوة القرآن، وأشدو أجمل الأغاني الوطنية، فنلت تشجيع الأصدقاء والمعلمين والأهل، مما شجعني على الاستمرار".
صغير يصبح كبيرا
ولكل حلم سلم، يجب أن تضع قدمك عليه لتبدأ مسيرتك، حيث يقول البرواي:"تعرفت على أصدقاء جدد ساعدوني في تنمية موهبتي"، وكانت التجربة الأولى حين غنى في حفل زفاف لصديقه، بعد أن تردد في البداية، لأنه لم يسبق له أن غنى أمام جمهور من قبل.
ويضيف: "كانت تلك خيبتي الأولى كذلك؛ فقد قدمني المغني في نهاية الحفل، وكنت محرجا؛ لأن المدعوين كانوا قد غادروا، ولم يبق هناك أحد ليسمعني". ولكنه غنى ونجح، وأشاد المطرب بصوته.
ثم تابع البراوي مشواره الفني بالتعرف على مزيد من الأصدقاء الذين تربطهم علاقة بالفن، من عازفين ومغنين، فتشكلت فرقة موسيقية تقدم العروض وتحيي الاحتفالات.
ويقول البراوي:"أهم ما اكتسبته في هذه المرحلة هو كسر حاجز الخوف أمام الجمهور، وتنمية موهبتي". ويتابع:"بعد مرحلة التعرف على الأصدقاء قررت أنه حان الوقت لأخوض تجربة جديدة خاصة في برامج الهواة الكثيرة، وأن أجد التربة الفنية الصالحة للشهرة والغناء".
وقرر أن يخطو خطوة للأمام ويجازف قليلا، ليصبح فنانا مشهورا، من خلال برامج الغناء العربي، التي تتيح الفرصة لكثير من الفنانين تحقيق شهرة عربية وعالمية، وعن هذا يقول محمد:"أرسلت اشتراكا لبرنامجي"Arab idol" و"The Voice"، وتم قبولي. ولكن بسبب أزمة معبر رفح والحصار على غزة لم أتمكن من الخروج، وفاتتني تجارب الأداء".
ولكن ذلك لم يقتل الأمل لديه، فبعد فترة كان يتصفح الفيس بوك، فوجد إعلانا يدعو الفنانين للتقدم إلى برنامج فنان العرب محمد عبده. حيث يقول: "ودون أي تحضير ولا نية تصفحت شروط الاشتراك، وأرسلت الطلب المرفق بالفيديو الذي صورته دون أي استعداد"، وتم قبوله لاحقا في البرنامج.
الحصار وعقباته
أما أكثر العقبات التي صادفها البراوي خلال مسيرته، فيتمثل بواقع قطاع غزة المحاصر، وحدودية الفرص هناك. ويصف البراوي شعوره بعد اتصال إدارة برنامج محمد عبدو لإبلاغه بقبوله قائلا:"أسهل للغزاوي أن يصل إلى الجنة قبل أن تخطو قدماه خارج غزة". هذه العبارة ساهمت بسماح إدارة المعبر بسفره، ولكنه تعرض للتحقيق لدى الجانبين الفلسطيني والمصري بسبب الفيزا اللبنانية على جوازه، وكيفية حصوله عليها، ووجهة سفره، وسببه.
وفي طريق ترحيله من المطار المصري، تعرضت الحافلة التي كان على متنها لهجوم مسلحين، أسفر عن اختطاف أربعة فلسطينين بعد إطلاق النار على الحافلة، يقول البراوي:"كانت هذه من أكثر لحظات الرعب والخوف التي صادفتني، حيث وصلت تجارب الأداء في حالة إرهاق شديد، ومع ذلك تم قبولي".
وقدر للصوت الحالم أن يصل ويعلو فوق أسوار الحصار، فللبراوي صوت عذب يعلو وسط ضجيج القطاع وحصاره.