محمد حسين / مصر
تعاني الدول النامية من صعوبة تبادل المعلومات، ومتابعة التطور التقني الذي يشهده العالم. ويرجع السبب إلى ضعف هذه الدول الاقتصادي، وعدم قدرتها على إنتاج معرفتها. كما تعاني الحكومات من صعوبة في تقديم الخدمات لمواطنيها، واعتمادها على الأنظمة اليدوية، أو الآليات القديمة التي عفي عليها الزمن، أو شراء الأنظمة التجارية بثمن مرتفع، مما يلجئ الأفراد إلى سرقة الملكية الفكرية بسبب ارتفاع ثمنها. وهنا يصبح التساؤل مشروعا: ما الحل؟
برمجيات مفتوحة... وسبل مغلقة
تعتبر البرمجيات مفتوحة المصدر Open Source حلا حسب الخبراء والمختصين؛ فهي إحدى السياسات المتبعة في إدارة عملية كتابة برمجيات الحاسوب والأنظمة وإدارتها. وقد بدأت الفكرة منذ اختراع الحاسوب؛ ففي ذلك الحين تم تناقل البرامج بين الناس، ومع نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، بدأ احتكار البرامج، فلم يعد بالإمكان تغييرها حتى لو اضطررت لإصلاحها لتحقيق مصلحة شخصية. وقد كانت شركة مايكروسوفت من رواد نموذج البرمجيات المملوكة .
أسباب التوجه للبرمجيات المفتوحة
من خلال التوجه للبرمجيات مفتوحة المصدر، يصبح من السهل اكتشاف ثغراتها وعلاجها، حيث يشير الخبير الأمني للحاسبات؛ بروس شنير، إلى أن الأمان الحقيقي لا يمكن تحقيقه أبدا عن طريق إخفاء الاختراقات أو العيوب الأمنية التي قد يحتوي عليها النظام، وإنما عبر السماح لأي شخص مهتم بالبحث عن العيوب والقضاء عليها، بالقيام بما يحسنه.
ولعل هذا السبب هو أهم الأسباب، خاصة مع دول ذات اقتصاد محدود؛ لأن غالبية هذه النظم مجانية، ومتاحة عبر شبكة الإنترنت، حيث تقوم المؤسسة بتحميله واستخدامه مباشرة دون أي قيد، وتستعين بالمتخصصين لتطبيق النظام وجعله مناسبا لاحتياجاتها.
مصر نموذجا
وفي مصر تستخدم البرمجيات التجارية، خاصة برامج شركة مايكروسوفت، حيث تنفق الدولة مبالغ طائلة على اقتنائها والتدريب عليها والدعم الفني، مما يعتبر استنزافا حقيقيا لموارد الدولة الاقتصادية، ويؤدي إلى إهمال دور المبرمجين المحليين، وتهميشهم من المساهمة في تحقيق التقدم التكنولوجي؛ إذ ليس بمقدور أحد أن يطلع عليها ليقدم لها الدعم والتطوير، حيث يقتصر الأمر على الشركة المنتجة، بشكل يخلق احتكارا وتحكما في مصير المؤسسة الحكومية التي تستخدم هذه البرمجيات. وفي مقابل ذلك هناك برمجيات مفتوحة المصدر لا تكلف الدولة شيئا، وبإمكان المبرمجين تطويرها والتعديل عليها بما يتناسب مع احتياجات المؤسسة.
لقد تحرك المبرمجون الشبان، والخبراء، والشركات الداعمة للبرمجيات مفتوحة المصدر، يوم 28 كانون أول 2012، وأصدروا بيان إدانة للحكومة التي أنفقت 40 مليون دولار في صفقة تراخيص برمجيات مع شركة مايكروسوفت العالمية، ويوضح البدائل التي يمكن أن توفر أكثر من 80 بالمائة من هذه الأموال، وتوجيهها نحو خدمات أخرى.
آراء خبرة مصرية وفلسطينية
وفي مقابلات أجرتها الصحفية قمر الشريف مع مختصين في فلسطين، بين الدكتور حافظ البرغوثي؛ أستاذ تكنولوجيا الحاسب الآلي بجامعة بيرزيت، فلسطين، أن النظم مفتوحة المصدر تقدم خدمة كبيرة في عالم البرمجيات؛ لأنها مجانية، ويسهل التعامل معها، وتتميز بأمان أعلى. ومن وجهة نظر المتخصصين في حماية أنظمة المعلومات، يجب أن نفرق بين النظم مفتوحة المصدر، والنظم التجارية، حيث إن النظم مفتوحة المصدر أكثر سرية؛ لأن العالم كله يستطيع الاطلاع عليها، ويمكنه التعديل عليها، مما يجعلها أكثر سرية.
فيما يشير الدكتور عبد السلام؛ أستاذ هندسة الحاسب الآلي بجامعة بيرزيت، فلسطين، أن بإمكان المؤسسات الحكومية أن تستخدم البرمجيات مفتوحة المصدر، حيث هناك قدرات وكفاءات هندسية وبرمجية في فلسطين، قادرة على دعم هذه البرمجيات، ويقول: "هناك ثقافة بدأت تنتشر في الجامعات والمعاهد، تعتمد على هذه البرمجيات، وتدرب الطلاب عليها"، فهناك مبرمجون أكفاء، قادرون على دعمها، ولم تعد هناك حاجة لأن تصرف المؤسسة الحكومية ميزانيات كبيرة لشراء برمجيات، ودعمها من شركات أجنبية ربحية، أو حتى محلية، حيث بات بإمكان الشركات المحلية أن تقدم الدعم الفني للبرمجيات مفتوحة المصدر، مما يجعل كلفتها أقل بكثير من البرمجيات التجارية.
ويرى المهندس أحمد حسين؛ خبير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وأحد النشطاء الداعين للبرمجيات مفتوحة المصدر، أن البرمجيات الحرة بديل حقيقي استغله العديد من الدول لإيجاد حلول لمشاكلهم التكنولوجية، وتوفير بدائل للبرمجيات التجارية، في دول تحولت بالكامل لاستخدام هذه البرمجيات، كماليزيا، ولكن مثل هذا الحل يستلزم إرادة سياسية حقيقية لمواجهة أصحاب المصالح المستفيدين من البرمجيات التجارية.
ويوضح حسين أن المجتمع المدني المصري في مصر يعمل منذ التسعينات على حث الحكومة على استغلال البرمجيات الحرة، وتبني عليها منصات التكنولوجيا، إلا أن المواجهة الدائمة مع أصحاب المصالح، وانحياز الدولة لهم، كان يؤدي دائما لإجهاض جهود إيجاد بديل حقيقي وطني يغني مصر عن البرمجيات التجارية، ويحد من استنزاف الثروات الاقتصادية للدولة.
ويشير الدكتور مصطفى حسام؛ أستاذ علم المعلومات بجامعة القاهرة، إلى أن للبرمجيات مفتوحة المصدر قيمة كبرى، لأنها أولا تكسر احتكارات الشركات الكبرى، مما يتيح الوصول إليها على مستوى الحكومات ومختلف المؤسسات. كما إنها تتيح فرصة للمبرمجين الشبان للمساهمة في تطويرها، وتناسب الدول النامية، عندما يتوفر برنامج تطبيق يساهم فيه العديد من المبرمجين على مستوى العالم لمساعدة المؤسسات على تأدية دورها بكفاءة وتنمية خبرات المبرمجين الشبان.