السينما الفلسطينية بين المقبول والمرفوض

2016-02-25 12:20:21

محمود عدامة/ القدس

في عام 1948 حصل كسر تاريخي في مسار الشعب، إذ هدم بنيانه السياسي والاجتماعي والاقتصادي، واحتلت أرضه، ورمي جزء منه في المنافي، فأخذ يلملم شتاته، ويعيد تضميد جراحه، وحاول أن يحافظ في السنوات الأولى من عمر النكبة على ما تبقى من حياته، وأن يستمد من بين أصابع القهر، أسباب بقائه واستمراره ووجوده، رغم كل ظروف الموت والإبادة.

سينما القضية والوطن

أما بخصوص من بقي من الشعب الفلسطيني على أرضه تحت الاحتلال الصهيوني، فمن المؤكد أن ممارسات الاحتلال وشروطه القاسية، لم تكن لتسمح حتى بالتفكير في إنجاز أي عمل سينمائي فلسطيني، بل وربما بأي عمل ثقافي ذي صبغة جماعية يعبر عن الثقافة الوطنية والهوية الحضارية الفلسطينية، ولذلك فإن الحديث عن السينما الفلسطينية، خلال هذه الفترة، أي فترة ما بين النكبة ومطلع الثمانينات من القرن العشرين، وهي السينما التي نشأت بعيد ميلاد الثورة الفلسطينية المسلحة المعاصرة، وتشكيل فصائلها ومنظماتها، وسميت باسمها.

ومنذ أواخر عام 1967 كان هناك تصوير لبعض المواد الخاصة بالثورة، عبر تسجيل صور شهدائها، وبعض المشاهد من مخيمات اللجوء، وهي المفردات التي كانت متاحة للرصد والتصوير في الواقع الفلسطيني. ومن اللافت أن خليل الوزير؛ أبو جهاد، أحد أبرز قيادات فتح الأولى، الذي أصبح نائب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية، كان من هواة التصوير، ومن أوائل من اهتم به ،ومارسه بنفسه، وشجع عليه.

التصوير سرا

كما يروى أن سلافة مرسال التي كانت من أوائل الخريجين الفلسطينيين من المعهد العالي للسينما في القاهرة؛ قسم التصوير، كانت قد بدأت التصوير، ثم التحميض والطبع في منزلها، على نحو سري وفردي، بسبب الظروف الدقيقة حينذاك، ثم استشعرت الحاجة لإنشاء قسم خاص بالتصوير السينمائي، بدعم وتشجيع من أبي جهاد، فبدأ هذا القسم أعماله عام 1968، وأنجز أول فيلم سينمائي فلسطيني تنتجه الثورة الفلسطينية المسلحة المعاصرة، وحمل عنوان "لا للحل السلمي"، وهو فيلم تسجيلي قصير مدته 20 دقيقة.

"عمر"

وفي عام 2013، أنتج فيلم "عمر"، الذي يسرد قصة ثلاثة من أصدقاء الطفولة، تفرق بينهم في نهاية الأمر القضية الوطنية، ويعرض سلسلة العنف في نزاع يبدو دون مخرج، ويؤدي دور البطولة فيه الممثل آدم بكري، حيث يعمل "عمر" في أحد المخابز، ويحب نادية؛ شقيقة صديقه طارق، وهو من المناضلين في الضفة الغربية المحتلة، وبعد أن اعتقلته الشرطة العسكرية الإسرائيلية وأذلته، انضم عمر إلى صديقه طارق وزميلهما أمجد في مهمة لقتل جندي إسرائيلي، تنتهي بسجنه وتعذيبه وخيانة صديقيه بعد تعرضه لضغوط.

تحديات ونجاحات

واستخلاصا لهذا القول، يمكننا اليوم، وبعد مرور قرابة ثلاثة عقود ونصف من الزمن، على ولادة سينما الثورة الفلسطينية، وإثر التحولات التي جرت في الساحة الوطنية، أن نقول بأسف إن هذه السينما قد خطت خطوات كبيرة على طريق التلاشي والانطفاء؛ وذلك بسبب ما تمارسه سلطات الاحتلال الإسرائيلي تجاه الإعلام الوطني ومراحل تطويره، وتدمير الثقافة والتقاليد، ووضع حواجز أمام الإعلام الوطني من أجل عرقلة المسيرة الإعلامية والثقافية والتربوية الوطنية.

ولكن في نهاية القول يمكننا أن نقول إنه منذ نشأة السينما الفلسطينية وهي تحتفظ بوجودها الخاص في المحافل السينمائية الدولية، وذلك ما نجده في سينما ما بعد النكبة، خاصة عند المخرجين مصطفى أبو علي وهاني جوهرية. ولكن ومع تطور السينما الفلسطينية، وتقلب مسار القضية، وتبدل أحوالها، وبوجود نقاط استفهام كثيرة لدى الغرب عنها، تمكن المخرج الكبير إيليا سليمان في فيلمه "الزمن الباقي"؛ إخراج عربي فرنسي، من التجول حول العالم، حاصدا الكثير من الجوائز. وطبع إيليا سليمان نظرة نقدية مهمة عن السينما الفلسطينية لدى الغرب، مثله في ذلك مثل المخرج هاني أبو أسعد، الذي استطاع بفيلميه "الجنة الآن"، و"عمر"، اللذين حصلا على العديد من الجوائز في مهرجانات السينما العربية والغربية.

رأي وخلاصة

ولكنني أرى أن السينما يجب أن تحمل على عاتقها نقد الصورة الحقيقية، وما بعد الحقيقية، عن أي حالة من حالات البشرية. ولأن شعبنا كباقي شعوب الأرض؛ يبكي ويضحك، وينتصر ويهزم، فمن المهم أن تتناول السينما الفلسطينية واقع مجتمعها أو عدم واقعيته، دون أن تنسى أن الاحتلال متغلغل في جميع مشاعر المواطن.

لقد رأينا أن السينما الفلسطينيّة عادة ما تكون في مقدمة الأفلام العربية الّتي تصل إلى العالمية، وأعتقد أن خاصية الإنتاج السينمائي الفلسطيني، تتبع لخاصية الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال، في قطعة مكانية محتلة، وفي زمن متقلب، ولكنه أيضا يقع تحت الاحتلال.

أضف إلى ذلك الإمكانيات الجيدة في السينما الفلسطينية، خاصة عندما يكون إنتاجها مشتركا مع كوادر سينمائية أجنبية، وبمواضيع درامية متعددة ومميزة، يمكن استنباطها من الواقع الفلسطيني، والمواضيع الوثائقيّة الّتي يمكنها أن تنافس بقوة في مجال الأفلام الوثائقية، وربما كانت المهرجانات ولجان التحكيم السينمائية العالمية تأخذ بعين الاعتبار عدة مقاييس مهنيّة لتقدير هذا الفيلم أو ذاك.

لذلك لا نستطيع القول إن وصول الأفلام الفلسطينية للعالمية يعزى لكونها فلسطينية فقط، فهنالك قدرة فنية معتبرة، ومواضيع مميزة، ومثال ذلك الفيلم الوثائقي: "المطلوبون الـ١٨"، للمخرج عامر شوملي.

 

اخترنا لكم
عماد ابو الفتوح عندما عرفت أن الرواية القا...
سلمى أمين هل تمنّيت يومًا أن تتحدّث أكثر م...
 هند الجندي ينظر معظم الناس للأذكياء...
لينا العطّار/  اخترنا لكم من اراجيك...
بقلم: تركي المالكي الحياة مليئة بالجمال وا...
اخترنا لكم هدى قضاض- اراجيك  يعد ا...
منوعات
نغم كراجه/غزة يواجه الشباب صعوبة في إيجاد...
رغد السقا/غزة يمر ذوي الإعاقة بظروف نفسية...
سها سكر/غزة "لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أ...
نغم كراجة/غزة "أمي لم تفِ بوعدها، أخب...
إسراء صلاح/غزة هنا غزة المدينة المنكوب...
عرين سنقرط/القدس ربما قطار الفرح في مدينتي...