فرح البرغوثي/رام الله
إن تغير الطرز المعمارية للمباني السكنية في فلسطين بدأ منذ انتهاء العهد العثماني وبداية الإحتلال البريطاني؛ فوجود الاستعمار أدى إلى إدخال هويةٍ جديدة على المباني وتغيير المواد المستخدمة في البناء وشكله وهويته، ولا يقتصر هذا التغير على الإستعمار البريطاني بل امتد ليشمل إتفاقية أوسلو وما سببته من رخاءٍ إقتصادي، فكيف اختلفت المباني الجديدة عن ما قبلها؟ وإلى أي مدى يعتبر هذا التطور طبيعي؟ وهل فقدت المنازل هويتها وأصبحت مشوهة أم ما زالت تحافظ عليها؟
عليةٌ وقبوٌ وتكتل
عند وصف شكل وهوية المنازل القديمة التي ما زلنا نرى آثارها حتى اليوم في القرى الفلسطينية فإننا نجد أنها بيتٌ صغيرٌ لا يتجاوز طابق واحد في أغلب الأحيان وقلة قليلة من البيوت تتجاوزالطابقين، ويتكونمما يُسمى بـ "العلية" التي تستخدم لاستقبال الضيوف وتتواجد في بيوت الأشخاص الأكثر غناءً، ومن "القبو" وهو قاع البيت الذي يستخدم لوضع الحيوانات.
هذه البيوت عُرفت بصغر حجمها واعتمادها على المواد المتوفرة في منطقة البناء تحديداً الحجر والطين، وتربعها بالقرب من السفوح والتلال، وما يُميزها عن البيوت الجديدة تكتلها حول بعضها ، ففي العهد العثماني اتُبع نظامٌ يطلق عليه"تكتيل البيوت" أو"الأحواش" أي تجمعها حول في منطقةٍ معينة،وتسكنها عائلاتٌ متقاربة في النسب ويطلق عليها "حوش فلان" مثل حوش دار ناصر في بلدة بيرزيت.
تحول المدينة العربية إلى مجتمعات مغلقة
مع دخول الاستعمار البريطاني للأراضي الفلسطينية تحولت هذه البيوت الصغيرة إلى مبانٍ من طوابقٍ عدة، فتقول المعمارية والمصممة سارة الخصيب:"إن الإستعمار أدخل هوية جديدة على المباني والأراضي الفلسطينية؛ فأي مستعمر سيأتي على المنطقة لن يتبع تقاليدها في البناء أو في أيٍ شيء كان بل سيحضر هويته وكيانه الخاص به، وهذا أدى إلى تحول بنمط العمارة في فلسطين بطريقةٍ واضحة فدخل الإسمنت والنظام الإنشائي الجديد للأبنية وتحولت من مدنٍ قديمة وبلداتٍ صغيرة تعتمد على المدينة العربية الإسلامية إلى مبانٍ من طوابق عدة".
وفي الأعوام الأخيرة انتشرت بشكلٍ كبير المباني المرتفعة والقريبة من مركز المدينة وأخذ الكثير من السكان يَهجرون قراهم وينتقلون للعيش فيها، وأيضاً ظهرت المباني المتراصة حول بعضها البعض في مكانٍ واحدٍ ولها خدماتٍ سكانية خاصةً بها ويطلق عليها بـ "المجتمعات المغلقة"،مثل مدينة روابي التي تعتبر ثاني أهم مدينة حديثة بالعالم وفقاً لاستطلاعٍ نشره موقع الإقتصادي في آواخر عام 2018، وضاحية الريحان والحي الدبلوماسي.
ومن أهم الأسباب التي أدت إلى ظهور العمارة التي نراها اليوم هما الإنتعاش الإقتصادي والهدوء السياسياللذانسببتهما إتفاقية أوسلو عام 1994، فتشير دراسة بعنوان "الاقتصاد الفلسطيني بعد 20 عاماً من أوسلو" أجراها معهد أبحاث السياسات الإقتصادية الفلسطيني- ماس عام 2013"أن الاقتصاد الفلسطيني بعد إتفاقية أوسلو أصبح أكثر نزوحاً نحو القطاعات الخدمية والإنشاءات، وأن الناتج القومي بعد السنوات الأولى منها ارتفع بنسبة أكثر من 42%"2 ، وهذا مؤشر واضح على أن العمارة أصبحت مجرد سلعة استثمارية وتجارية لاتمتُ للهوية المحلية بصلة، فإلى أي مدى تتشابه هذه المباني مع مباني الإحتلال والمستوطنات الإسرائيلية؟
الخصيب: كلاهما يتبعان المدرسة الغربية
إن ما تعكسه المباني الجديدةليس إلا هوية مستوحاة من التخطيط الغربي، وحول تشابه هذه المباني بمباني الإحتلال ومستوطناته وضحت الخصيب: "إن المباني الجديدة التي ظهرت في آخر 20 سنة والمباني الإسرائيلية كلاهما يتبعان نمط المدرسة الغربية في تخطيط المدينة،وهذا النمط بدأفي أوروبا فترات الستينات والسبعينات، ولكن هذا التخطيط أثبت فشله ولم يكن النمط الجيد لبناء المدينة في دول الغرب وحالياً هناك حملات ودراسات لإبتكار تخطيطٍ جديدٍ مختلفٍ ومناسب".