لؤي رجب/غزة
"الحاجة أم الاختراع". هذه المقولة القديمة لم تغب يوما عن أذهان الغزيين وعقولهم، فرغم الحصار، نسمع كل يوم عن ابتكارات واختراعات جديدة تدهش المواطنين وتثلج صدورهم.
وهل هنا بشرى جديدة يزفها باحثان من غزة لمرضى حساسية القمح في القطاع، الذين بات بإمكانهم الحصول على طحين خال من الجلوتين، بعد أن تمكن الباحثان من انتاجه محليا من مواد متوفرة، وبسعر مناسب.
بداية المشوار
تبدأ الحكاية حين بدأ الباحثان د. محمد العسقلاني؛ رئيس دائرة البحث العلمي في جامعة الإسراء بغزة، ود.عبد الفتاح قرمان؛ الباحث في مجال التغذية الخاصة، يعملان على إنتاج هذه الطحين، الّذي يندر وجوده في السوق المحلية غالبا بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة؛ لينجحا في ذلك بعد ست سنوات من البحث.
ويوضح العسقلاني أن بداية مشوار بحثهما كانت عندما اكتشف الباحث قرمان أن زوجته تعاني من مرض "حساسية القمح"، الّذي يصعب على الأطباء اكتشافه، فقررا أن يعملا معا، ويقول العسقلاني: "نبعت الفكرة من حاجة إنسانية بالدرجة الأولى لعلاج مرضى الـ"سيلياك"، خاصة بعد انقطاع الطحين الخالي من الجلوتين من غزة منذ سنة 2009 نتيجة تشديد الحصار". وقد طوروا في المرحلة الأولى "دقيق الذرة، وكانت نتائجه ممتازة" كما يقول. وفي عام 2010 اتجها لتصنيع دقيق خال من الجلوتين من الصفر، وفي عام 2011 تطلب إنتاج العينات الأولية بعض الوقت.
وفي عام 2012، سافر الباحثان إلى جمهورية مصر العربية؛ لافتقار القطاع إلى مختبرات قادرة على فحص العينات، ومن ثم انتقلا إلى المملكة العربية السعودية للتأكد من نتائج العينات مرة أخرى. يقول العسقلاني: "كانت النتائج جميعها مطابقة للشروط، وحصلنا على الموافقة لاستخدامه كدقيق خال من الجلوتين".
وحصل الباحثان على شهادة معتمدة من "المركز العربي للبحوث القومية" في جمهورية مصر العربية، وترخيص من "هيئة الغذاء والدواء" في المملكة العربية السعودية عام 2015.
أسباب حساسية القمح "الجلوتين"
وترجع أسباب هذا المرض إلى عوامل وراثية، إضافة إلى العاملين الاقتصادي والاجتماعي؛ فالناس الأشد فقرا تظهر عليهم الأعراض أكثر من غيرهم.
ويبين العسقلاني أن مرض حساسية القمح مزمن، وسببه التهاب في الأمعاء الدقيقة، يؤدي بدوره إلى ضمور للأهداب المبطنة لها، مما يسبب مشكله في امتصاص المواد الغذائية، نتيجة وجود حساسية لمادة الجلوتين الموجودة في القمح.
ويبلغ سعر الكيلو غرام من الطحين الذي أنتجاه دولارا واحدا، وهو سعر مناسب مقارنة بالأسعار في دول الإقليم التي يتراوح فيها السعر بين 10 دولارات، و15 دولارا، علما بأن المريض يحتاج إلى حوالي 200 كيلوجرام سنويا من هذا القمح، ولا يتوافر إلا في جمعية أرض الإنسان الخيرية، كما إن هناك العديد من المؤسسات من كافة أنحاء العالم التي تواصلت معهما لأن المنتج فريد من نوعه.
حالة مرضية
من جانبها عبرت الحاجة أم يوسف المصابة بحساسية الجلوتين عن فرحتها بهذا الإنجاز، مشيرة إلى أن اكتشاف هذا الطحين عمل على التخفيف من أزمة المرضى، خاصة أنهم بحاجة إلى القمح الخالي من الجلوتين، لأنهم إذا تناولو خبز الطحين العادي، فسيصابون بوعكات صحية. وتبين أنها منذ أن أصيبت بهذا المرض، أصبحت تتناول الطعام وفق حمية خاصة تعتمد على الطحين الخالي من الجلوتين.