دلالات الصبار والزيتون في الفن التشكيلي الفلسطيني

2015-08-15 07:57:10

أنغام رشاد / رام الله

الفن التشكيلي سلاح ثقافي يحفظ الذاكرة والهوية الفلسطينية، ليس كلام شعارات بل حقيقة اثبتها العديد من الفنانين في مجالات لا حصر لها، وربما نتفق جميعا على ان الصورة واللوحة، والمقطوعة الموسيقية، والاغنية الوطنية  نقلت  الرسالة بعمق يضاهي فحوى الكتب والمجلدات أحيانا، وقد بات معروفا ان الفن الفلسطيني منتمي للقضية والحق والوطن وعلى هذا النهج سار الفن التشكيلي الفلسطيني الذي سنطرق بابه سويا لنعرف عن بعض اعلامه.

أعلام الفن التشكيلي الفلسطيني

من الفنانين الذين  لمعوا في سماء الفن التشكيلي الفلسطيني، رنا بشارة، ابنة ترشيحا الجليل، التي تحمل اللقب الأول للفنون والدراسات النسوية، والفنان  متعدد المواهب نبيل عناني، من مواليد اللطرون، وخريج كلية الفنون الجميلة في جامعة الإسكندرية؛ قسم التصوير الزيتي. والذي أجاد الفن التشكيلي والنحت وصناعة الخزفيات بإبداع متفرد.

ويتميز كلا الفنانين بالحيوية والنشاط والعطاء في تقديم الأعمال الفنية والمعارض المميزة في كافة محافظات الوطن وخارجها، وهما كالكثيرين من الفنانين الذين طرقوا بفنهم هم القضية، فكانت افكارهما  تضرب في عمق معاناة الفلسطيني. ولا يتعذر على أحد ان يلحظ بشكل جلي  في فنهم عمق المشاهد ورمزيتها، وقدرتها على إثارة أفكار الأفراد وتحفيزهم على التفكير والتحليل، وأحيانا أخرى النقد؛ ليصبح المتلقي متفاعلا مع اللوحة، يتملكه الشغف لفك شيفراتها، فيتجرد من كونه تأمل لوحة تملي عليه رسالتها .

رنا بشارة... رفيقة صبار فلسطين

رنا بشارة علامة خاصة تقترن بصبار فلسطين، الذي أصبح دالة على أعمالها، التي ترمز من خلالها لقدرة الفلسطيني على التحمل والصبر؛ فنبات الصبار هو الأقدر على تحمل شح المياه والظروف البيئية الصعبة، وهو بخاصيته هذه يشبه الفلسطيني المتألم في الوطن والشتات، كما إن أشواك الصبار الحادة تحاكي منغصات عيش الفلسطيني، التي يفرضها المحتل في مجالات حياته كلها. ومن جهة أخرى، يحتضن صبار فلسطين، رغم حدة أشواكه، ثمرة لذيذة؛ خلافا لقسوة المشهد الخارجي. ومن هنا تأتي المفارقة بين الظروف الخارجية المحبطة، والأمل المزروع في الفلسطيني بالعودة والتحرر ونيل الحرية.

دلالات تجاوزت الأشواك

وتتنوع استعارة رمزية الصبار لدى رنا؛ فمن دلالة الصبر وصمود الأسرى في معتقلات الاحتلال، حيث رسمت الأسيرة هناء الشلبي، والأسير سامر العيساوي على صبارة فلسطين، في دلالة على الألم الذي عانى منه كلاهما خلال إضرابهما عن الطعام، فهم يشبهون نبات الصبار في قدرته على التحمل والبقاء أكثر من غيرهم.

وأحيانا أخرى تستخدم نبات الصبار في لوحاتها وأعمالها لتقول: "طفح الكيل"، في دلالة على التذمر من طول صبر الفلسطيني على سوء حاله. وأكثر الامثلة وضوحا كان حين وضعت رنا قطع الصبار في زجاجة حفظ الخضار لتقول للعالم: "صبرنا حتى صار صبرنا مخللا". وداخل وعاء المخلل تأخذ الصبارات دلالات لا حصر لها؛ فهي فلسطيني مشتت، وآخر فاض صبره وهو ينتظر تأشيرة مرور بين الحواجز الاحتلالية، وثالث ينظر إلى وطنه بحرقة في الشتات... والقائمة تطول.

وتستحضر رنا عناصرها التشكيلية من خيرات الأرض الطبيعية؛ من صبار وزيتون، وتدرجها في مكونات بصرية تروي حكايات تراثية مفعمة بالخصوصية والتفرد، وتوجه الضمير الإنساني بفنها إلى ما يفعلة الصهاينة بأرض فلسطين وشعبها؛ من تدمير للتراث، واستحضار أنماط غربية، وإقامة مستوطنات على الأرض العربية فلسطين.

فن عناني مكلل بالزيتون

أما نبيل عناني فقد جعل شجرة الزيتون تخصصه الفني؛ فهي لاشك مشبعة بالرمزية لدى الفلسطيني مسبقا؛ بحيث تشكل هوية له، وجذورها الضاربة منذ مئات السنين شهادة إثبات على وجود الفلسطيني وتجذره.

وتحضر شجرة الزيتون في فن عناني لتدل على ارتباط الإنسان الفلسطيني بهويته وتراثه واقتصاده الزراعي، كما تخدم أغراضا ثقافية ووطنية ودينية، ومما يزيد من قيمتها في الثقافة العربية، استخدام ثمارها وزيتها في العلاج والغذاء، وكذلك هي الشجرة التي باركها الله في الكتب المقدسة.

ومن أبرز دلالتها أنها عنوان الحماية من غدر المحتل وملاحقته وترصده للمناضل الفلسطيني، حيث كان المتظاهرون والمقاومون يلجأون للأختباء وراء جذوعها من عيون قوات الاحتلال ورصاصها.

وترتبط شجرة الزيتون بالعديد من الأمثلة التي تؤرخ للقضية والمقاومة في سبيل استرجاع الأرض، فلطالما كانت خصم الاحتلال؛ كما هو الفلسطيني، لتستهدف وتقتلع بطريقة ممنهجة.

رمزية الزيتون في عمق جذوره

والتركيز على شجرة الزيتون في أغلب الأعمال التشكيلية ينبع من الكم الهائل من أشجار الزيتون التي اقتلعتها الآليات الإسرائيلية لتأمين مساحات لمستوطناتها وطرقها الالتفافية، إضافة إلى أن اقتلاعها استهداف للعمق والتاريخ الذي تشهد به.

وهي تغطي فلسطين برداء أخضر في لوحات عناني، لتحمل دلالات منوعة أحسن توظيفها بما يتلاءم مع المشهد؛ فكانت شجرات الزيتون في إحدى لوحاته وحيدة جافة بين جدارين للفصل العنصري، أحدهما يفصلها عن القدس، والآخر يفصل الفلسطيني عن زيتوناته وقدسه.

وفي لوحات أخرى كثيرة ترى شجرات الزيتون كثيرة وكثيفة، وتغطي كل مساحة اللوحة؛ لتوحي في امتدادها وكثرة عددها، ببشرى الثبات والمنعة التي تصد محاولات الاقتلاع، فلا يمل زيتون فلسطين من وجوده، ولا يمل الفلاح الفلسطيني من إعادة غرس زيتوناته دون ملل أو بفقدان أمل.

وفي كثير من لوحاته يؤنسن الفنان زيتونه؛ فيبدو أجسادا تمشي مع الفلسطينيين وهم يتزاحمون أمام قبة الصخرة. وهي في مشاهد أخرى تزين اللوحات كجزء لا يتجزأ من أي مشهد فلسطيني؛ فهي حاضرة في جنازة الشهيد، وعلى أطلال منازل فلاحين يتأملون قريتهم من بعيد.

اخترنا لكم
عماد ابو الفتوح عندما عرفت أن الرواية القا...
سلمى أمين هل تمنّيت يومًا أن تتحدّث أكثر م...
 هند الجندي ينظر معظم الناس للأذكياء...
لينا العطّار/  اخترنا لكم من اراجيك...
بقلم: تركي المالكي الحياة مليئة بالجمال وا...
اخترنا لكم هدى قضاض- اراجيك  يعد ا...
منوعات
نغم كراجه/غزة يواجه الشباب صعوبة في إيجاد...
رغد السقا/غزة يمر ذوي الإعاقة بظروف نفسية...
سها سكر/غزة "لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أ...
نغم كراجة/غزة "أمي لم تفِ بوعدها، أخب...
إسراء صلاح/غزة هنا غزة المدينة المنكوب...
عرين سنقرط/القدس ربما قطار الفرح في مدينتي...