رؤية ونقد: محمد خميس
يحكي الفيلم الإيراني "أطفال السماء" قصة بسيطة بأسلوب واقعي، بطلاها الطفل علي، وأخته الصغيرة زهرة، اللذان يواجهان مأزقا خطيرا يسعيان لمعالجته بعيدا عن نظر والدهما سريع الغضب. في بداية الفيلم يحمل علي في يده كيسا داخله حذاء أخته زهرة، ولكنه قبل أن يصل إلى المنزل يتوقف قليلا عند دكان لبيع الخضار، دون أن يدرك أن هذه الوقفة السريعة ستكلفه غاليا؛ فيفقد حذاء أخته. وهنا يدخل في دوامة البحث عن الحذاء المفقود، وينشغل مع زهرة بحياكة الخطط التي تضمن عدم معرفة والدهما بهذه الكارثة!
أحداث الفيلم
لكل فيلم لقطات مؤسسة، أو لقطة بداية، وكثير من الأفلام يبدأ بلقطة تأسيسية غير مباشرة أو غير واضحة. أما في فيلمنا فقد كانت لقطة البداية مباشرة، حيث بيّـن المخرج الفكرة الرئيسة من الفيلم كله، وكيف سيكون شكل الصراع فيه، فقد قدم إطارا مكانيا يحدد القصة، يتمثل في لقطة تصليح حذاء زهرة. ويدخل صوت الأحذية وهي تسير على الأرض في لقطة البداية.
ويبرز جليا وضع عائلة علي التعيس اقتصاديا، في المنزل المستأجر، ومهنة أب يتمنى أماني يسمعها ابناه وهما يركبان الدراجة الهوائية، تتمثل في أساسيات تنقصه وتنقص أسرته؛ من غسالة، وثلاجة، ودراجة نارية. ويكفينا عن ذلك كله وجه الطفولة البريء والحزين والذابل لعلي ذي البشرة الداكنة.
وللرد على سؤال مهم: هل اصطف الفيلم مع النظام، أم انحاز للناس؟ نرى وجهتي نظر في ذلك، إذ إنه من خلال تكريس مسألة المعالجة الاجتماعية والتكافل، ونزع الصراعات الاجتماعية، وتعزيز مسألة الرضا والثواب الغيبي، ودلالة اسم الفيلم «أطفال السماء»، قد ساعد النظام في التخلص من ورطته، وقصر الأمر على المعاناة الاجتماعية اليومية الفردية.
أما الثانية؛ فتتمثل في أن الفيلم قد كشف فحش الطبقات، والفروق بين المدن والبلدات النائية، ويبرز حالة الفقر والبؤس. وحسب اعتقادي فإن أجمل لقطات الفيلم هي تلك التي تصور كيف بدأت زهرة تلحق لاهثة وراء الحذاء عندما سقط في مجرى المياه العادمة. وهناك لقطة في نهاية الفيلم، وأسست لقصته المفتوحة دون نهاية، حيث يقترب المصور من وجه الطفل في لقطات تسمى «close up» بلغة السينما، ليوصل إلينا تلك اللحظات ذات العمق الدرامي الشديد.
قلق زهرة وشغف علي
ولم يضع المخرج الأجوبة على الطاولة، لكنه حاول جاهدا أن يوصلها مع المشاعر خلال مشهدين، يظهر المخرج مجيد مجيدي في الأول للمشاهد المتمعن في قلق زهرة وتوترها خشية التأخر على علي الذي ينتظرها. أما الثاني فهو مشهد شغف علي واهتمامه بالرياضة، ورغبته بالالتحاق بمسابقة الجري لمسافات طويلة؛ لكنه يمتنع لأنه لا يمتلك الحذاء الملائم.
وعندما يرى علي إعلانا يتضمن الجوائز التي ستقدم للفائزين، وتقع عينه على جائزة الحذاء الرياضي لصاحب المركز الثالث، يقرر أن يشارك، ويتوجه إلى معلم الرياضة، ويرجوه أن يقبل انضمامه. وهنا تظهر أبعاد أبوية كبيرة الشأن على علي، وخلال السباق، يشعر علي بالإرهاق والجهد، ولكن صوت زهرة وهي تركض في الشارع لتوصل له الحذاء يطرق سمعه، فيشجعه على المضي والفوز.
أما المشهد الأشد إيلاما، والأكثر واقعية فهو حصول علي على المرتبة الأولى؛ إذ ربما تكون نتيجة السباق متوقعة، لكن ارتسام الخيبة على وجه علي كانت صادمة؛ فكيف يكون النجاح أكبر خيباتنا وأقساها على مشاعرنا؟ يكون ذلك حين يتعارض مع حاجتنا لتحقيق ذاتنا؛ ففي البعد الإنساني تعطينا الانتصارات والأمجاد زخما زائفا، أمام أرواحنا المنقوصة والمكلومة؛ لأنها لم تستطع أن تحفر ذاتها في أعماق الإنسان.
الفيلم يمثل الواقع
وقد حاول المخرج أن يحافظ على الإيهام بأن عالم فيلمه هو مرآة موضوعية غير محرفة عن العالم الفعلي، إذ ليس بالضرورة أن يضع أي مخرج في فيلمه المشكلة والحل، أو الفشل والنجاح؛ ففي الظروف الحقيقية والواقعية، لا يحدث ذلك غالبا؛ حيث تبقى المشكلة، وتذهب الوعود، وتقزم ظروف الحياة الآمال والطموحات.
وجعل المخرج النهاية مفتوحة، يقدم مجيدي مادته مع هامش كبير تم وضعه لإمكانية التفسير وامتداد القصة. يذكر أن الفيلم أنتج عام 1998وحائز على أوسكار أفضل فيلم أجنبي في ذلك العام.
شاهد ملخص الفيلم من هنا: