غيداء حمودة/ رام الله
في مثل هذه المواضيع لا يُشترطُ أن ترفِقَ مادتكَ بعنوانٍ مناسب، فقد تبدأ حديثك بكل عفوية وتنهيه بسلاسة في آنٍ واحد. إلا أنني فكرتُ وفكرت، ووجدت أن هذه الجملة "ما بين مادة الرياضيات وأول تقريرٍ صُحفي تفاصيلَ كثيرة" وبالفعل بحثت واستنتجت أن الحياة لا تقتصر فقط على القسمة، والضرب، والكسور، والأرقام، إلا أنني وفي مرحلة ما من حياتي لم أكن مقتنعة بذلك. كَبُرت وَكبُرت معي أحلامي، وما لبثت الرياضيات إلا وعادت لتذكرني بأن هذا الواقع الوردي لن يستمر! لكم أن تتخيلوا ذلك أعزائي الطلاب؛ كيف يمكن لمادة تُدرس في المدرسة أن تقلب كيان شخصٍ ما!
الصفوف من السابع وحتى الثاني عشر بقيتُ كما أنا؛ أبذلُ المجهودَ المطلوب، لكن دونما فائدة تُذكر. كلمةُ "مقبول" لطالما حطت من عزيمتي، إذ كانت أول ما ألحظه في شهادتي المدرسية نهاية كل فصلٍ دراسي، لم أكن متميزةً أكاديميًا؛ بمعنى أنني لستُ الأولى على شُعبتي وحتى الثانية أو الثالثة، لكن على الجهة الأخرى أبليتُ البلاءَ الحسنَ في ما تبقى من المواد.
دخلتُ في صراعٍ مع نفسي، واشتد أزرهُ وبلغَ ذُروته في الصفين الحادي عشر والثاني عشر، أيعقلُ أن لا أجدَ حلًا ؟، ألهذا الحد مشكلتي مستعصية مع هذا العالم الواسع ؟! لا أخفي عليكم بدأت أخاف وكثيرًا، وما عدتُ مسيطرة على زمام الأمور، وكأن الموضوع تحول إلى سلسلةٍ من التفكير المستمر والتأثير النفسي البشع جدًا ... ماذا سأفعل في "التوجيهي" ؟، وصلتُ إلى مرحلة بتُ أحدث فيها عَقليَتي قائلًة: "غيدا لا مجال للاستسلام الآن، ما زال ينتظرك الكثير، لا تجعلي من ذلك عقبةً أمامكِ".
إستنفذ والداي كل ما استطاعوا عليه من دعمٍ معنوي ونفسي، حَرِصا دائمًا على أن يُذكرانني"بالذخيرة" التي أنعمت بها الحياة علي، بدأت أفكرُ مليًا بكل ما قالاه، بدأت أفكرُ بما سأكونُ عليه عقب تخرجي من الثانوية العامة، هذه الرحلة التي جعلتُ فيها من أحلام اليقظة إلهامًا وكسرًا لما كنت أخشاه.
واجهتُه وكأنني أواجهُ شخصًا ما واقفًا على الجهة الأخرى من ساحة المعركة! السبت من كلِ أسبوع وفي تمام العاشرة يكونُ يتنا على موعدٍ مع أستاذ الرياضيات، ليباشر في استغلال ما بقي من فرصٍ لإنقاذي، أقول لكم هذه الجملة وتعلو البسمة شفتاي! ببساطة لأني كنت أشفق عليه، فاستيعابي لم يكن من النوع السريع.
هذه هي حكايتي البسيطة مع كتابٍ أصفرِ اللون لا يتعدى طوله البضعَ سنتيميترات ويعتلي أولى َصفحاته فهرسًا مليئَا بالعمليات الحسابية التي دونتها على دفتري ومحوتها مراتٍ عدة وبكيت عليها خشية أن تطلعَ الشمس وأنا لا زلت أحلُ السؤال الأول!
أصدقائي القُرّاء، لم أصلُ إلى النهاية بعد، أتذكرون عندما حدثتُكم عن نظريةٍ مفادها " أن الحياة لا تقتصر على عالم الحِساب"، حسنًا لنتذكر سويًا... تاريخ" 22-9-2013 "ذهبت إلى حيث يعمل أبي عقب إنتهاء الدوام المدرسي، استقبلني بابتسامة مِلؤها حياة! وأمي واقفةً بجواره تحمل نسخة من جريدة "الحياة الجديدة" وإذ بها تشير إلى اسمي بجانب أولِ تقريرٍ صحُفي أنجزه وأنا على أولى أعتاب عامي السبعة عشر، وتحدث بمجمله عن الصحفيات الفلسطينيات في العمل الميداني.
نصيحتي لكم أعزائي الطلبة وأنا أعلم بأنني لا أملك التجربة الكافية التي تخولني لإعطائكم النصائح، لكن؛ لا تجعلوا من أيام المدرسة عبئًا على ذاكرتكم البريئة، بل اجعلوها فرحًا -مفعمًا- بكل ما عندكم من طاقات هائلة مكنونة، فالتميزُ الأكاديمي في المدرسة ليس وسيلة لتصلوا إلى ما تريدون، بل غاية لتكونوا على ما تصبو إليه أنفسكم، كلٌ منكم لديه جوهرة، أتعلمون ما هي؟ هي عقولكم، استغلوها بكل ما أوتيتم من إبداع، حتمًا وحتمًا ستصنعون سُلمًا تصعدون به إلى السماء وتلامِسون الثُريّا.
وأنا ما زلت أصعد، فماذا عنك؟