جوليانا زنايد/ القدس،
تعد الدراما واحدة من طرق عكس وتحليل الواقع، وأي خروج فيها عن النص هو تعبير عن تغير حقيقي على الأرض، أو محاولة لتكريس مفاهيم جديدة تخدم الفكر والتوجهات العامة، وهي ليست هجينة أو مستوردة؛ وتتدحرج وصولا لأن تصبح رأي عام ثم واقعا.
وتعتبر الدراما العربية التي يتمثل معظمها بالمسلسلات الرمضانية أفضل مؤشر لدراسة ثقافتنا العربية، فلو تناولنا على سبيل المثال واقع المرأة لوجدنا أن المخرجين قدموها ببطء نحو التغير خلال السنوات التسع الماضية والتي شهدت إنتاج المسلسل السوري باب الحارة، حيث تمردت بعد كل هذه السنوات وتمثلت بشخصية سارة التي اختارت حبيبها وكسرت التقاليد، وعلى غرار باب الحارة أنتجت الدراما السورية العديد من المسلسلات التي أظهرت المرأة السورية في محاولات عديدة للتحرر دون الخروج عن المحدودية التي بدت عليها خلال الحقبة التي ناقشتها هذه المسلسلات، وأطلت علينا في رمضان الماضي كندا حنا؛ بمسلسل خاتون وبطلته الرئيسة امرأة، لم يقتصر دورها فقط على الطبخ والتأيد خلال الحرب بل شاركت خاتون بحمل السلاح وحاكت المؤامرات ضد الاحتلال وحكم عليها بالإعدام هذا إلى جانب قصة الحب التي جمعتها مع الضابط الفرنسي "كريم"، وتخلت من أجله عن عاداتها، ثم عاشت قصة حب أخرى انتهت بعودتها إلى حارتها مرفوعة الرأس، وهذه معالجة من منظور مختلف لمفهوم العار، وفي مسلسل وردة شامية أعاد المخرج تامر إسحاق إنتاج قصة ريا وسكينة، وحول بطلتا المسلسل من ضحيتين إلى مجرمتين.
ولو خرجنا من حارات سوريا القديمة إلى دمشق، وناقشنا المسلسلات في أخر خمس وعشرون سنة لوجدنا أن المرأة تكرر محاولاتها غير انها أصبحت أكثر تمكنا هذه المرة.
أصبح الكتاب أكثر إمعانا في إظهار الصورة النمطية عن المرأة، فيظهرونها كعظيمة الكيد التي تحب المظاهر والمال والسيطرة، حتى أن هشام شربتجي تجاهل خلال مسلسل عائلة خمس نجوم وضمن ثلاث أجزاء أن هدف بطلة القصة "ام احمد" هو جمع المال لتحسين وضع أبنائها، وعندما شاء القدر وحصلت على المال بذرته، وتم خداعها لتظهر بعدها "كامرأة ساذجة".
وعند الحديث عن الدراما المصرية؛ سنجد أن الكتاب ليسوا إلا موهوبين من عامة الشعب، فبعد أن غامر المخرج محمد بكير في إظهار غادة عبد الرازق كامرأة محنكة وذكية تخوض غمار الحرب لتصل من خلالها إلى سدة الحكم، فشل الإنتاج في الإنفاق على فكرة جوهرية كهذه، ولم يحظى المسلسل بمتابعة جماهيرية.
أما في الدراما العربية المشتركة فقد تعاون المخرجان سيف الدين نجيب وسيف الدين سبيعي على بلورة شخصيتي ماريا وميرا في مسلسل الأخوة، حيث ظهرت ماريا ساذجة يقدوها قلبها، وميرا خبيثة يقودها كيدها الذي أدى إلى تدمير علاقة الحب بين ماريا وحبيبها اللذان أوشكا على الزواج، ولم يشفع لا للمهندسة ماريا ولا للمحاسبة العبقرية ميرا ولم يظهرهما المسلسل بصورة المرأة الناضجة العاقلة!
كما أطلت الفنانة نادين نسيب نجيم بدور المحامية الطموحة الناجحة، لكنها غير قادرة على الموازنة بين طموحها والالتزامات العائلية، وفي موت أميرة وظفت المرأة لعكس مدى سيطرة العاطفة على النساء فيتم خداع إلسي فرنيني وسلب ثروتها، كما لا تختلف شخصية ميرفت أمين 2018 في "حجم عائلي" عن شخصية مها المصري في أنا وعائلتي الذي أنتج عام 1999؛ فهي المرأة المتسلطة التي لا تهمها سوى المظاهر ورأي الناس الذين تحاول إبهارهم بـ"البرستيج".
عجزت الدراما العربية عن احتواء المرأة بمختلف أدوارها، ففي الوقت الذي لم تتح للكتاب فرصة إنكار كون المرأة محامية وكاتبة ومهندسة وشاعرة وممثلة ناجحة، لازمتها صفات بدت كأنها أبدية وعامة وتخص جميع النساء، وفي المقابل ظهرت النساء في معظم مسلسلات هذا العام بأدوار ثانوية أو مكملة فأكثر من سبع مسلسلات حملت أسماء ذات طابع ذكوري، مقابل اقلية من المسلسلات حملت أسماء ذات طابع نسوي.
*صورة من مسلسل باب الحارة من الإنترنت.