رحاب دلول/ غزة
لم يكن يعلم أن خربشته ستتحول إلى فن يمثل قضيته، كان ذلك حين انصهر قلمه مع ريشته ليخرج بمزيج جميل من الصور ذات الأشكال والألوان المختلفة، التي يجمعها هم فلسطين وجرحها.
والحديث مقصده هنا محمد قريقع، 14عاما، الذي يقطن في الشجاعية، وبدأ يرسم منذ كان في الرابعة من عمره، وهو يقول:"أخي الكبير مالك هو الذي اكتشف موهبتي وساعدني على صقلها وتطويرها، حين رأى لي رسما يعبرعن الأم الفلسطينية التي تبسط كفها لتقول كفى للحزن والأوجاع". ويتابع:"اخي هوالذي شجعني على المضي قدما في هذا الطريق لأشارك اليوم في عدد من المعارض المحلية والدولية".
طير حر
هذا العنوان حمله أول معرض لقريقع ضم لوحات يصل عددها إلى 42 لوحة، تناولت عدة قضايا يعيشها الفلسطيني والعربي، بما في ذلك من عادات وتقاليد وتراث. ولم ينس نصيب الشعب السوري ومعاناته من رسوماته.
ولم تقتصر رسوماته على فلسطين، وقطاع غزة خاصة، بل شملت قضايا العرب وعاداتهم وتقاليدهم بين الماضي والحاضر، حيث تنوعت بين هجرة السوريين، والتراث، ولباس البدو، والجمال. إضافة إلى أزمة الكهرباء والبترول التي تعتبر أبرز المشاكل التي يعاني منها المواطن في قطاع غزة.
وفي إحدى لوحاته يجسد قضية القدس وانتهاكات سلطات الاحتلال والمستوطنين للمقدسات، وتخاطب العرب للدفاع عنها، بلوحة تجسد شخصا يجلس على كرسيه، ومفاصله من خشب فلا يقدر على النهوض.
من خلال رسوماته أراد قريقع أن يكون حرا، وينفرد بشخصيته أمام العالم ليريه فلسطين بعيني طير حر بعيدا عن الحزبية والسياسة، وحلمه بأن يكتسب حرية الطير في التنقل من مدينة لمدينة.
ويشكر للمهندس نزار حجازي؛ رئيس البلدية غزة، اختياره له لإقامة المعرض، ليدل على أن الإبداع في غزة قائم، في وقت ظن الكثيرون أن فرص الإبداع معدومة. ويدقق محمد في اختيار لوحات معرضه؛ كونه المعرض الأول، ليبرز فنا متنوعا.
للمعرض بصمة
وتم اختيار قرية الفنون لإقامه المعرض؛ فهي مصممة بطريقة فنية تحتوي على أربعة بيوت للصناعات التقليدية، وهي بيت البسط، وبيت النحاس، وبيت التطريز، وبيت الخشبيات، وكذلك تحتوي على صالة، ويتوسط المدينة باحة سماوية مسورة بالطين ومواد البناء المحلية، وتبلغ مساحة قاعة المعرض 250مترا مربعا، وتصميمها مستوحى من الفن الإسلامي المتمثل بالأقواس والقباب.
وتميز المعرض بأفكار جديدة تتمثل بتوقيع الزوارعلى لوحة تحتوي على صورة شخصية لمحمد؛ لتظل تذكارا له بعد انتهاء المعرض، إضافة لفقرات فلكلورية ودبكة شعبية.
يقول محمد: "شهد المعرض إقبال عدد كبير من الزائرين". ويتابع: "استخدمنا وسائل التواصل الاجتماعي في نشر صور المعرض، مما زاد عدد الزائرين الذين ساهم حضورهم بمزيد من النجاح للمعرض".
معيقات
ويعتبر نقص المواد الخام، وانقطاع الكهرباء لفترات طويلة، من أهم المعيقات التي يواجهها محمد أثناء رسم لوحاته؛ فقد رسم لوحة على ضوء كشاف صغير جسد فيها انقطاع الكهرباء، وكانت على صورة وجه إنسان محاط بأضواء صغيرة؛ ليدات؛ التي تكشف كل إنارة منها تفاصيل وجهه وملامحه. حيث يقول: "كنت أرسم بقلم جاف، وقلم رصاص، وفرشاتين وسبعة ألوان"، فأبدع بها 42 لوحة، حيث لم يوقف عجزه عن تأمين المواد عزمه على أن يصبح يوما ما بيكاسو العرب.
وبين الدراسة والعمل الفني نظم وقته، وتعلم كل ما هو جديد في عالم الفنون، وحضور معارض أو فعاليات له. ويطمح أن يغرد بجميع لوحاته ويطير بها لكافة أنحاء العالم. وعلى المستوى التعليمي فهو مبدع ومتفوق، ويطمح إلى دراسة علم التشريح ليتقن رسم جسم الإنسان وعضلات وجهه.
رغم الافتقار للإمكانات، لم يقف حلم محمد في الحصول يوما ما على لقب بيكاسو العرب، حيث تظل العقول هي الكفة الراجحة للوصول إلى الأحلام والأمنيات.