خالد داود/ نابلس
بعد قرأتي لكتاب الحرية الأولى والأخيرة للكاتب كريشنا مورتي، والذي خصص فصلا كاملا حول مفهوم المعتقد. إذ يتساءل فيه: لماذا نحن مؤمنين؟ لماذا نؤمن بالله أو بأي مذهب أو فكر أخر مثل: الشيوعية، والماركسية، والهندوسية... وغيره، وما هي الحاجة التي تقف وراء هذا الأمر؟
يتوصل الكاتب مورتي من خلال تساؤلاته إلى سبب هام، وهو حاجتنا إلى الإيمان، ويرى أن الإنسان يفتقد إلى الأمان ويشعر بحاجة أساسية لكي يؤمن بشيء يمنحه القوة والطمأنينة. غير أن هذه الطمأنينة لا يجب أن تكون سببا للإيمان، بل يتوجب على المرء أن يعالج خوفه وعدم طمأنينته بدل أن يلجا إلى شيء أخر يسقط عليه حاجاته؛ لأنه دون هذه الطريقة يكون الإيمان لديه ملجأ من شعور يريبه ويبعده أكثر عن الناس بدل أن يقرب بينه وبينه.
يعتقد مورتي أن مسألة الإيمان والمعرفة هامة جدا، فهي تؤدي دورا فائقا للعادة في حياتنا، ونحن نملك الكثير من المعتقدات. ويقول مورتي في كتابه أنه كلما كان المرء أكثر فكرا وثقافة وتدينا قلّت قدرته على الفهم. والبدائيون يمتلكون خرافات لا تحصى، حتى في العالم الحديث ثمة خرافات.
وتحدث مورتي عن مسألة المعتقدات، حيث أكد أن أحد الأمور التي نقبلها بلهفة ونسلم بها جدلا هي مسألة المعتقدات. فلماذا نقبل المعتقدات؟ وما سبب قبولنا لها؟
يقول الكاتب، إن المرء يستطيع أن يرى المعتقدات السياسية والدينية والقومية تفرق بين الناس، وتسبب الصراع، والفوضى، والبغضاء، وهي حقيقة واضحة، وعلى الرغم من ذلك لا نريد أن نتخلى عنها. فهناك المعتقد الهندوسي، والمسيحي، والبوذي، ومعتقدات طائفية وقومية لا تحصى، وأيديولوجيات سياسية متنوعة، وكلها تتصارع مع بعضها بعضا، محاولة أن تهدي بعضها بعضا.
وبرأي مورتي أن الايمان يفرق بين الناس مولدا عدم التسامح، ويتساءل أيضا هل من الممكن العيش دون إيمان؟ ويجيب أنه لا يستطيع المرء أن يكتشف هذا إلا إذا درس نفسه في علاقته مع معتقد. وهل من الممكن العيش في هذا العالم من دون ايمان لا أن نغير المعتقدات ونستبدل معتقدا بأخر، وإنما أن نتحرر من المعتقدات كلها، ونعانق الحياة من جديد كل دقيقة؟
"الحقيقة هي امتلاك القدرة على لقاء كل شيء من جديد دون رد الفعل المشروط للماضي، بحيث لا يكون هناك التأثير التراكمي الذي يعمل كحاجز بين الذات وما هو موجود"، كما أورد مورتي في كتابه.
ويقول، إذا فكرتم، سترون أن أحد أسباب الرغبة بقبول المعتقد هو الخوف، إذا لم يكن لدينا إيمان.
إذا لم يكن لدينا نموذج للفعل، مستند إلى الايمان سواء بالله، أو الشيوعية، أو بالاشتراكية، أو الامبريالية، او بدين ما، أو عقيدة قطعية ما؛ نكون فيها مشروطين وسنشعر بضياع كامل، أليس كذلك؟ أو ليس هذا القبول للمعتقد تغطية لذلك الخوف، الخوف من ألا تكون شيئا، من أن تكون فارغا؟ إن الكوب مفيد إذا كان فارغا فحسب؛ وهكذا فان الذهن الممتلئ بالمعتقدات، وبالعقائد القطعية، وبالتأكيدات؛ وبالمقتطفات، هو ذهن غير ابداعي إنه مجرد ذهن تكراري.
ويضيف على ذلك مورتي بأن الهرب من ذلك الخوف هو الخوف من الفراغ، والخوف من الوحدة، ومن الركود، ومن عدم الوصول، والفشل، وعدم الانجاز، والاخفاق في كونك شيئا ما.
برأيه؛ المعتقد الديني أو السياسي يعرقل فهمنا لأنفسنا، يعمل كحجاب ننظر عبره إلى أنفسنا.
هل نستطيع أن ننظر إلى أنفسنا من دون معتقدات إذا أزلنها منا، هل يبقى أي شيء ننظر إليه؟!