إسراء صلاح/غزة
كأمواج البحر أمضي، بين المتاهات السرابية التي باتت مسكني، أحلم بعائلتي التي ظلمتني وألقتني قطعة لحم بلا ذنب، كجرح يطعن في ّ بسكين المجتمع الظالم، فأصبح عنواني أبواب المساجد، حاويات القمامة، قاعات انتظار الحافلات، وأماكن تشبه تابوت الموت.
لم أختر اسمي بل نحته المجتمع على جبيني تحت مسمى "لقيط"، "ابن حرام"، "مجهول الهوية" "ابن زنا "...انزعوا عني أسماءكم التي سميتموني إياها؛ لأني بريء منها.
أبحث عن من يحمل صفاتي، أبحث عن أبي، عن صرخة أمي حينما أنجبتني. اخلع نعليك وأدخل إلى قلبي الطاهر كقطرات الندى المنسابة وقت الفجر؛ فلا تخرجوني من براءة الأطفال، أقسم أنها عنواني.
تلك هي العبارات التي قرأتها في عيون ذاك الطفل الذي يجلس أمام شاشة التلفاز، ويتابع قناة الأطفال، ببراءة الطفولة نظر تجاهي وشعر بالخوف، فهو غريب عن المكان الذي يقطن به، اقتربت منه ولامست يديه الناعمة، التي أعطته الشعور بالسكينة والاطمئنان، توحدنا بالإحساس، وأخذ يعزف على أوتار قلبي ترانيمَ حزينةً، نظراته كحمامة سلام حطت على كتفي بكل رقة فأسالت دموعي، تمالكت نفسي رغم الألم الذي اعتصر قلبي، نظر اتجاهي بحزن وكأنه مشفق علي، مسح دمعتي بابتسامه الجميلة.
بدأت كلمات النشيد تصدح بصوت عذب جميل، احساس طفل بأجنحة الملائكة يحلق كأنه أهزوجة موسيقية على أوتار ذهبية، ليصل إلى نشيد "يابابا أسناني واوا "، فجأة صمت في المكان وسؤال كسهمٍ رنان ؟ أين أبي؟
صمت قليلاً، تبعثرت حروفي، تاهت كلماتي، حاولت تجميعها ولكن تأخر الوقت، اختفى الطفل من أمامي وأغلق باب غرفته بكل قوة، ذهبت لإرضائه، ولكن المربية قالت اتركيه فهو طفل مزاجي عصبي، ولن تتمكني من ارضائه، وأعتذر منك فقد انتهت الزيارة، تمالكت نفسي وانقطعت سلسلة أفكاري، واستأذنت ثم خرجت من المكان.
ما ذنب هذا الطفل ليحمل الألم منذ الصغر؟ ما ذنبه لنقتل حب التعرف والاكتشاف لديه ؟"أين أبي" ؟ سؤال يتردد في ذاكرتي كصوت الرعد المخيف المنذر بالغضب بين ضربات قلبه المتعبة، وبين أمواج أفكاري المتصارعة.
أتوسل لأصحاب النفوس المريضة لا تعتدوا على حرمات الله، لا تجعلوا نزواتكم سبباً في وجود طبقة ضائعة في المجتمع. ويا مجتمعي لا تنبذ ذاك الطفل بنظراتك القاتلة، فهو أطهر حبات البرد، ارحموا ضعف روحهم وقلة حيلتهم .