ناريمان شوخة/ رام الله
"يشكل المجتمع الذي يعيش في أزمة مفردات لغوية خاصة به، لتظهر بالتدريج لغة جديدة لا تعكس مفرداتها الواقع، بل تعمل على إخفائه". ديفيد جروسمان
وفي صدد موضوعنا، يعمل الإعلام الإسرائيلي جاهدا منذ نشأته على خلق توجه لدى المواطن الغربي، يصل به إلى حد تجريم الفلسطيني، والتشكيك في نواياه ومزاعمه، وتوقع بادرة السوء منه على الدوام. وفي دوامة هذا التجني، يأتي السؤال: هل نجح الإعلام الإسرائيلي حقا وتفوق على الإعلام العربي والفلسطيني؟ وهل العبارة السائدة "إن الإعلام الإسرائيلي أفضل بكثير من إعلامنا" حقيقة؟
يقول الأستاذ بسام عبد الرحمن المشاقبة في كتابه "الإعلام الإسرائيلي وفن التضليل الدعائي": "ليس من العدل القول إن نظاما استبداديا يمكن له الاستمرار مع جرائمه وطغيانه إلى هذه الساعة في ظل مجتمع دولي شديد الحساسية خاض حربين عالميتين تعرف خلالهما على بشاعة الحرب وكارثيتها، أن يقبل ولو على المستوى الشعبي استمرار الجرائم الإسرائيلية أدبيا وإنسانيا".
لذا عمدت ماكينة الإعلام الإسرائيلي على مدار السنوات المنصرمة للترويج لجرائم سلطات الاحتلال باسم "الحق في الدفاع عن النفس"؛ مستخدمة ما هو أشبه برواية أخوة يوسف والدم الكاذب، ليدلس بها دوما على الرأي العام العالمي.
وهنا كان لا بد للإعلام الإسرائيلي من أن يصنع رواية يلجأ إليها دائما لكسب ود محطات التفلزة والصحف ووكالات الأنباء المحلية والعالمية، عبر غسيل الأدمغة، وتطهير ثوب اليهودي الذي التصق به عبر قرون طويلة في أوروبا صفة البخل، وسفك الدم، والأنانية، ليتحول اليوم إلى ثوب ناصع البياض، أو حمل وديع يعاني ويلات القتل والاعتداء على كيانه وسلامة عيشه، وهو على النقيض التام.
وقد عرفت آلة "البروباغندا" الصهيونية كيف تستخدم الإعلام الدعائي بأساليب الخداع والتشنيع والابتزاز وتقنيات التلاعب بالمصطلحات الأيديولوجية، التي تختارها لإيصال المعلومات من وجهات نظر معينة مثل: "نحن" مقابل "هم"، و"جيش الدفاع" مقابل "العدو"، ومصطلح الأراضي الفلسطيني المحتلة مقابل "المناطق المتنازع عليها"؛ بهدف إخفاء حقيقة أن إسرائيل تحتل أراضي شعب آخر، وأن اليهودي ضحية الفلسطيني الذي يناضل دون سبب أو جدوى.
وقد طور الإعلام الإسرائيلي قواعد لغوية خاصة به في تغطية الصراع مع الفلسطينيين والعرب؛ إذ يستخدم الإعلاميون الإسرائيليون الفعل المبني للمجهول عند الحديث عن شهيد فلسطيني، على غرار القول مثلا: قُتَل فلسطينيان.... ولكن عندما يجرح إسرائيلي أو يقتل، تستخدم وسائل الإعلام الإسرائيلية الفعل المبني للمعلوم؛ مثل: "أطلق مخربان النار". عدا عن انحيازها للرواية الصهيونية، إذا حدثت مواجهة في الخارج، وقتل نتيجتها إسرائيليان، تبرز حينها التغطية الصحفية عدد القتلى الإسرائيليين، وتهمش عدد الضحيا في الطرف الآخر؛ ليصل المتلقي إلى قناعة أن الإسرائيلي هو الأصل، وهو دائما المستهدف في أي اعتداء قاتل، ويستخدم المحرر غالبا مصطلح "الذبح" بدل "القتل"، وفي المقابل، حين "يذبح" عناصر من تنظيم يهودي عربا، فإنه يكتب: "مقتل عدد من العرب".
وأبرز الصحف الإسرائيلية المؤثرة على الرأي العام المحلي والدولي:
كل ما ذكر سابقا يدلل على أن الإعلام الصهيوني يعمل بلا حدود وبلا قيود، لتنفيذ أهدافه ومآربه في الوصول إلى غايات الحركة الصهيونية العالمية، ولذلك فإن أبرز أساليب الدعاية الصهيونية تنحصر بالمناورة والمراوغة والابتزاز والتهديد والاستعطاف والتزوير. وإن كانت هذه الأساليب تعكس نجاحا حتى الآن، إلا أن الأمور بدأت تتكشف، وبدأت مسننات آلة هذا الإعلام الكاذب تهترئ أمام الحقائق التي لم يعد بإمكان كهنة الإعلام الصهيوني إخفاؤها.