التصريح الأخير.. وعندما التقينا كنت باردة أكثر مما ينبغي

2016-04-25 19:15:16

هبة بطة/ نابلس

التصريح الأول:

ما حالك الآن؟

حملت أوراقي كالعادة، وأنا أعلم بالرفض المسبق اللعين، وتبع ذلك وجه الموظف صاحب الابتسامة الفاترة والقول الدائم: "مش رح يطلعلك".

مرة أخرى لململت أوراقي ووضعتها على الطاولة؛ تلك الطاولة التي تفتح الحدود، ولم تكن المسافة بين وجهي ووجه الموظف أبعد من غزة عن الضفة. نحن بحرهم، وهم ضفتنا،فكيف يكون بيننا حدود! ماذا يلزم العطش منا سوى كوب منهم والماء لدينا! وقلت للموظف: "خد الأوراق فحسب، لا تتكلم.. إياك أن تتكلم عن عمري"!

وكما هو المتوقع، لم يتم الرد، لم ينظروا إلى أوراقي، لم يعطوني التصريح...

التصريح الثاني:

أحالك أفضل الآن؟!

الأوراق نفسها، عمري لم يزدد سوى شهر وبضع ساعات، مرة أخرى وجه الموظف البارد ذاته، والطاولة ذاتها. أقل ما يمكن فعله رفع الأوراق.. زلقها على الطاولة، وأدرت ظهري، وأمل معتوه يسبق رجاءها المذبوح، ودمعي الساخط...

وعن العمر يتكلمون! وفي تصاريحهم يشترطون! كنت أتمنى أن أصير عجوزا على عكازة مهترئة لأني هذا ما أشعر به بداخلي حقيقة... الكل يعلم أننا هنا في غزة نسبق أعمارنا قلبيا وعقليا وليس ورقيا وتصاريحيا – كما يريدون– وهذا ما أراده الاحتلال!

كما المتوقع، لم يردوا أصلا، لم ينظروا إلى أوراقي، لم يعطوني التصريح…

التصريح الثالث:

أشتاقك يا عزيزي ووضعي سيء!

حسنا وعمري زاد شهرين، ولكن قلبي شاخ، ألم يدروا به؟!

الأوراق ذاتها، وحجتها الوحيدة إنسانية، وأقسم لكم أني إنسان، وإني والله كرهت عمري.. ألديكم خلطة لتسريع عمري؟ أريد التصريح... أريد أن أرى وجهها...

هذه المرة جاء الرد، لا بأس إنه الرفض ذاته! لا شيء سوى المحاولة التي تتوه بين أنفاسها وبين حديثي المفعم بالأمل وبالقدوم…

التصريح الرابع:

أنا أرجو رؤيتك حبيبي...

أَبدلوا الأبنية ركاما، وبعد نهوضنا لم نر الورد واستبدلناه بدورنا خضارا كي نعيش، لم يبق لنا سوى البحر المليء برصاص الاحتلال، ولم ينس الاحتلال ترك الكثير من الأوراق المعبأة بالحالات الإنسانية المرفوضة... أنقذف بها بالزجاج ونلقيها بالبحر، عل البحر يحققها؟! وما كان سوى يبلعها في أعماقه، كما كانت الطاولة ووجه الموظف البائس يفعل بها كل مرة.

لم يخرج التصريح، وجاء الرد بالرفض كالعادة. هيا أيها العمر، أرجوك أن تتقدم بي وليس بها...

التصريح الخامس:

أنا أنتظر جسدي كما انتظرك!

هذه المرة ليس الموظف ذاته! ولم تكن الطاولة نفسها! تغير كل شيء ما عدا الأوراق، وبقيت تحمل صفة الإنسانية. أنا أعرف أيضا هناك غيري من ينتظر وحاله أسوأ من حالي بكثير. وقد يموتون في أي لحظة. أكان طلبي أنانيا في زمن لاإنساني؟!

أطلعت الموظف على كافة التفاصيل، ولماذا أريد القدوم للضفة، وهذه المرة لمؤسسة تعنى بحقوق الإنسان من الضفة تواصلت معها. أبقي في غزة إنسان أصلا ليكون له حقوق؟! الاحتلال جعل منا أشباه إنسان، فرض علينا حياة الموت، فرض علينا المطالبة بحقوق غير موجودة أصلا، جعلنا نعض على رغيف خبز محترق...

أسيتغير الرد؟! نعم أقولها وبفم مليء سيتغير!

فقط طريقة الرفض ستكون إنسانية لأشعر بأني ما زلت إنسانا وأطالب بحقي كإنسان على حد قولهم.

التصريح السادس:

لم يعد جسدي ينتظر...

كان تقديم الأوراق هذه المرة بناء على طلبه؛ اتصل بي موظف المؤسسة الإنسانية وكان يعلم بما لا أعلم. عندها تغير كل شيء.

الموظف أصر هذه المرة بطريقة غير طبيعية على محاولة مساعدتي وسرع من الإجراءات ومن الأوراق في محاولة منه لقدومي للضفة.

ماذا حل بالموظف؟! ماذا يعرف؟!

"عليك أن ترى أمك بأسرع وقت ممكن" الموظف قالها بصوت كأنه خرج من أعماق بئر.

كانت اتصالاتي قد انقطعت معها، لأنها وصلت مرحلة من عدم قدرتها على الرد والحديث، ووضعها سيئ، وأسوأ مما كنت أظن، كما كانت تقول.

ولكني كنت أظن بالأمل والمرض يا حبيبتي، أرجوك تحملي..

التصريح المقبول:

جسدي ليس لي بعد الآن...

وكان كل شيء يدور حول عجلة الزمن بشكل أرعن، وحان موعد السفر. لا يمنع أن نشك في اليقين حتى في بعض الأحيان بل في كل الأحيان!

أعلم يا حلوتي أن كل شيء تمكن منك، وأن السرطان تفشى في جسدك، فقط أريد أن أنظر في عينيك مرة واحدة! حتى إني أصبحت متقشفا في أمنياتي فيك.

وصلت إلى ضفة بحرنا في نهاية شهر تشرين أول/ أكتوبر، وكانت الأوراق شديدة الصفرة لتبرح أغصان أشجارها.

لماذا لم تنتظري عيني، كانت تود أن تتلاقى وعينيك. وكنت يا دافئتي يا أمي عندما التقينا أبرد مما ينبغي، فليخرجوك من الثلاجة، فأنت ما زلت على قيد الحياة بقلبي.

اللعنة على التصاريح يا أمي! والآن أريد تصريحا لأمنح نفسي الحياة بدونك.

اخترنا لكم
عماد ابو الفتوح عندما عرفت أن الرواية القا...
سلمى أمين هل تمنّيت يومًا أن تتحدّث أكثر م...
 هند الجندي ينظر معظم الناس للأذكياء...
لينا العطّار/  اخترنا لكم من اراجيك...
بقلم: تركي المالكي الحياة مليئة بالجمال وا...
اخترنا لكم هدى قضاض- اراجيك  يعد ا...
منوعات
نغم كراجه/غزة يواجه الشباب صعوبة في إيجاد...
رغد السقا/غزة يمر ذوي الإعاقة بظروف نفسية...
سها سكر/غزة "لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أ...
نغم كراجة/غزة "أمي لم تفِ بوعدها، أخب...
إسراء صلاح/غزة هنا غزة المدينة المنكوب...
عرين سنقرط/القدس ربما قطار الفرح في مدينتي...