الحكواتية ايمان "العميقه"

2020-02-01 14:10:19

نهاية أبو خاطر/ بيالارا

 التحدي الذي اعطاها القوه لتسير للامام برغم الصعاب

قارئه بعمر زهرة النرجس وجمالها، وتحمل كل عين تراها وصفا، ووراء كل كلمة تسمعها حكايه.

إيمان؛ ابنة بلدة بيت ريما قضاء رام الله، بلغت سن السابعة عشرة قبل أيام. وهي منذ صغرها تعشق القراءة، وتجالس الكبير والصغير، وتستمتع بالزجل، وتبحث عن الحكايا في كل مكان تمر منه، فتتنقل بين بيت الأجداد وبيوت الأصدقاء، تخزن في ذاكرتها وكراستها الملونه قصص العفاريت وأساطيرها بلهجة الأجداد، وتسجل ذاكرتها كل ما تسمع، وتصور كلماتها كل ما ترى.

وهي فوق ذلك جريئة، تلح بالسؤال، وتستمتع بالتحليل، ولا ترضى بالقليل؛ تريد توثيق خطواتها الصغيرة مع تاريخ كل من مر على أرضها الصغيرة، بلدتها، وما يحيط بها من جمال وعبق عتيق. وفي صوتها عندما تسرد الحكايا دفء الفرح، وموجات الرضى، والثقة، وحب الحياة.

الحكواتية تحب أن تسرد حكايتها لتحفز من يبحث عن نافذة تطل على الشمس. من أنت يا صاحبة الحكاية؟

أدعى إيمان البرغوثي، وتلقبني صديقتي إيمان العميقة. عشت خلال سني عمري السبع عشرة تفاصيل كثيرة، ومررت بأحداث غريبة، أحيانا سيئة. كانت السنوات العشر الأولى من عمري مليئة بعلامات استفهام، وكلمات واقتباسات غريبة. أسئلتي لأمي كانت دائمة متكررة: لماذا نعيش؟ هل الحلم حقيقة أم مزحة؟ أمي هل الفشل مرض؟ لماذا نعاود الوقوف حين نقع مع أن الدماء تسيل من ركبنا؟

ولم أكن أجد الإجابة الشافية. ربما لأنني كنت ما أزال صغيرة في مجتمع فلسطيني صغير لا يمكن أن يكبر بسهولة، ولذلك لا حاجة لنقدم أجوبة منطقيه. أو لأن الكبار لا يملكون الإجابات؛ ربما لجهلهم الأمر، أو ربما لجهلهم، نقطة.

هل كانت أسئلتك صعبة دائما؟

كانت أمي تعجز عن الإجابة في كل مرة إطرح أسئلتي، فتسكت، أو تمنحني إجابة مزعجة: "ستعلمين حين تكبرين". لم تكن تعجبني تلك الإجابة؛ لأنني كنت أظن نفسي كبيرة في ذلك السن.

ربما كان المطلوب أن تستستلمي وتتوقفي عن طرح الأسئلة.

ولكن الأمر على العكس؛ فقد زادتني هذه الإجابات رغبة في المعرفة والبحث عن الإجابات، وإصرارا على تحدي الأمر الواقع؛ الذي يحاول نقل الجهل والتخلف من جيل إلى آخر دون إبراز جماليات الحياة التي عاشها أجدادنا، ويمكننا بكل أمل أن ننقلها لأبنائنا الذين يبحثون باستمرار عن دفء العائلة في الأفلام الغربية البعيدة عن عاداتنا وتقاليدنا، والتي شكلت السبب لفقدنا أجمل العادات التي تجمع العائلة الكبيرة تحت سقف واحد، والاهتمام بأمور الصغير والكبير؛ ليبقى التواصل موجودا، يساعدنا على الدفاع عن الأرض التي يتم سلبها من بين أيدينا لأننا لم نعد نهتم بها.

إلى أين قادتك علامات الاستفهام في أسئلتك؟

عندما بلغت الحادية عشرة بدأت أنحاز للقراءة؛ فكان الكتاب يرافقني في كل أوقات فراغي من الدراسة. وهكذا بقيت حتى الرابعة عشرة؛ حينما اكتشفت أنني تحولت إلى معجم لمعان وكلمات كثيرة، حاولت جمعها، حتى أتقنت كتابة بعض أبيات الشعر.

ولكن للأسف لم أجد من يدعمني أو من يتبنى ما أكتب. حتى أصدقائي لم يكونوا يهتمون بما أكتب حين أعرضه عليهم، أو أقرأه لهم. فتوقفت عن نظم الشعر، ووصلت إلى حالة من اليأس إلى درجة أنني أتلفت كل الأوراق الصغيرة التي كنت أكتب عليها حينها.

إيمان تستسلم؟

لا؛ ليست إيمان من تتوقف عند هذه الخيبة، أو أي خيبة جديده. قررت أن أتحدى، وأزيد من معلوماتي ومعرفتي؛ إذ ربما يمكنني من الوصول إلى أهل المعرفة فأقنعهم بأني أستحق فرصة تفتح لي آفاقا كثيرة وكبيرة.

وظل حب القراءة يسكن أعماقي حتى أصبحت لي مكتبتي الخاصة حين اتممت الخامسة عشرة، فقد أصبحت أقدس الكتب، وكان الكتاب ملهمي ومصباحي الوحيد في ظلام ضعفي.

من من الأدباء والكتاب شكل وعي إيمان؟

أعجبت بالأديب الكبير غسان كنفاني، حتى أصبحت أجمع صوره لأعلقها على جدران غرفتي. وقرأت أعماله الكاملة؛ بداية من "رجال في الشمس"، ونهاية برسائله لمحبوبته غادة.

يقال إن الفتاة حين تكب على الكتب تعيش في عالمها وتنسى العالم الخارجي. إلى أي مدى ينطبق هذا على إيمان؟

في عمر السادسة عشرة، اندفعت تدريجيا إلى العالم الخارجي، وتعرفت على شخصيات مثقفة ومعروفة، فأصبح لدي الكثير من الملهمين والمشجعين. وبدأت أشارك في كل النشاطات التي أعرف عنها، وأسأل: هل من مزيد. وعدت لكتابة كل الأحداث التي تمر بي، وأصور بكلماتي الحكايا الجميلة التي يحتاج الأطفال والشباب لسماعها في منطلقات حياتهم؛ ليستمتعوا بالحكاية باللهجة الأصيلة، وقد نشرت أول مقال لي في صحيفة الحياة الجديدة بعنوان "رام الله التي نحب".

كما شاركت في عدة أمسيات وحفلات ثقافية، حيث اجتمعت في إحداها مع الحكواتي الفلسطيني حمزة العقرباوي، الذي يتميز بقدرته على سرد الحكايا وإدخال كل من يستمع إليه داخل أحداثها. ومنذ ذلك الوقت شب في داخلي حب الحكاية والسرد.

وتركت عالمك الثقافي العشوائي، وتوجهت إلى الحكاية.

كثفت جلساتي مع كبار السن، وأصبحت أعوم في عالم التراث القديم، واكتشفت أن لدي موهبة وشغفا جديدا حملني على التعريف عن نفسي بكل ثقة.

لطالما كانت أساطير العفاريت تجذبني أكثر من غيرها، وكنت أسرد حكاياتي على صفحات أوراقي، وأعرضها على أشخاص عظماء صبوا حب السرد والكتابة في داخلي. كما حاولت أن أتواصل مع كتاب وروائيين، كنت أعرض عليهم كتاباتي المتنوعة. وكان منهم من يشجعني ويبث حب الكتابة في داخلي، ومنهم من كان يقول لي إني لا أتقن ما أقوم به، وأن ما أكتبه ليس ذا مستوى جيد.

سمعت عبارات كثيرة ممن حولي تحبطني، من قبيل: لن تستطيعي الإقلاع والنجاح أبدا. وغيري أكثر نجاحا مني، ووصل إلى عالم الكتابة قبلي وفي وقت قصير.

لكن هذا لم يفقدني عزيمتي وثقتي بذاتي وقدراتي، بل عذّى رغبتي في الاستمرار ومتابعة العمل لأثبت للجميع أنهم مخطئون في حقي.

كيف كنت تنظرين إليهم؟

أدركت أنهم يحاربون الأحلام بداء الفشل، وأنني أعيش في مجتمع لا يرحم. لكنني لم أسمح لهم بإطفاء الشمس في داخلي. وكنت أقف في كل مرة تجرحني  كلماتهم بكل تألق ومحبة، وحافظت على حلمي.

والآن ماذا تقولين لأبناء جيلك ممن يرون نفس حلمك؟

 أدعو كل أبناء جيلي ممن يملكون رؤية أن يدخلوا الشمس إليها لتنضج وتؤتي أكلها.

وأقول لكل واحد منهم: أرجوك انهض من نومك ليتحقق حلمك، وعاود الوقوف مهما كانت وقعتك صعبه. وابحث دائما عمن يتبنى موهبتك، واصنع الحلوى من كل عبارة تحاول أن تحبطك وتثبط عزيمتك، وامضغها حتى تذوب ويختفي أثرها. أرجوك أن تحاول أن تحب عالم القراءة مهما كانت موهبتك.

إيمان الصغيرة، كانت ولا تزال تبحث عن أجوبة لكل هذا الضجيج الذي غزا ويغزو طريقها على اختلاف أنواعه، ولكنها لن ترضى بأي إجابة، بل تبحث عن إجابات تريح بالها، وترفع قدراتها. ولم تكتف بما وصلها من إجابات، فما تزال تبحث بشغف ومحبة، وتسرد الحكايا على أهل بيتها، ولكل عشاق السهر والاستمتاع بدفء بيوت الأجداد وحكاياتهم المخيفة أحيانا، والمضحكة أحيانا، والمحزنة أحيانا أخرى.

اخترنا لكم
عماد ابو الفتوح عندما عرفت أن الرواية القا...
سلمى أمين هل تمنّيت يومًا أن تتحدّث أكثر م...
 هند الجندي ينظر معظم الناس للأذكياء...
لينا العطّار/  اخترنا لكم من اراجيك...
بقلم: تركي المالكي الحياة مليئة بالجمال وا...
اخترنا لكم هدى قضاض- اراجيك  يعد ا...
منوعات
نغم كراجه/غزة يواجه الشباب صعوبة في إيجاد...
رغد السقا/غزة يمر ذوي الإعاقة بظروف نفسية...
سها سكر/غزة "لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أ...
نغم كراجة/غزة "أمي لم تفِ بوعدها، أخب...
إسراء صلاح/غزة هنا غزة المدينة المنكوب...
عرين سنقرط/القدس ربما قطار الفرح في مدينتي...