بقدر ما أردته.. كرهته!

2016-09-08 11:38:43

ناريمان شوخة/ رام الله

"ليش خلفتها؟ ما استفدت منها غير الهم"!!

تجمدت ملامحي على انقباض عندما تذكرت ما قالته لي روان؛ فتاة العشرين، ابنة المخيم التي صادفتها في كافتيريا مكتبة الشروق.  كانت منكبة على قراءة كتاب "الأب الغني والأب الفقير" لـروبرت تي كيوساكي، ودموع عينيها منهمرة.

دلفت نحوها وسألتها: ما بك؟!

فتحت عينيها بجهد ثقيل، ورفرفت أهدابها في توتر لتتذكر أين هي، ثم تنهدت في استسلام، وقالت: "لم يتجاوز عدد المرات التي كنا فيها كعائلة واحدة متماسكة أصابع اليد الواحدة. كل صباح أستيقظ على صوت شجار والدي، وأمي تحاول إقناعه، ويرد عليها ببشاعة: "ليش خلفتها؟ ما استفدت منها غير الهم"!

وبماذا كانت تحاول الام إقناعه؟

تأخذ روان نفسا وتتابع: "تقنعه بأن أكمل تعليمي الجامعي بعد نجاحي في الثانوية العامة".

كان أبوها يفر في كل مرة بعد أن يتعرض لها بالضرب المبرح.

"أكرهه بقدر ما أردته، أردت تحقيق حلمي الذي يراودني كل ليلة"، قالت روان والدمعة تسبق كلامها وكل أحلامها البريئة.

بماذا تحلمين؟ سألتها.

"أحلم وأحلم وأحلم".

هو حلم واحد، ولكنها كررته ثلاث مرات، كأنها تقول له: بربك تحقق.

"أحلم أن أكون مراسلة ألتهم الميكروفون لأطلق منه كلماتي التي تعبر عني من قلب الحدث، فتصل إلى عنان السماء".

وبنظرات متوسلة قالت لي: "ادعي لي"! ثم صمتت فجأة، واستلقت على مقعدها، وسرحت في ذاك اليوم، وسرحت معها.

"قبل سنتين لم أنم طوال الليل؛ كنت أنتظر نتيجتي بفارغ الصبر، ولم يكن بوسعي سوى أن أحاول طمأنة نفسي بصوت القرآن، وضعت سماعة في أذني، وشغلت جهاز التسجيل، وانطلق العفاسي يرتل في انسياب، لتملأ الآيات أذني ورأسي. بإمكاني الآن أن أغمض عيني في راحة إلى وقت ظهور النتيجة. وبعد ساعات قليلة، بدأت أقف على عتبة حلمي؛ أجل نجحت، لكن يأبى الحزن إلا أن يشاركني فرحتي التي كم تمنيت أن أتقاسمها مع عائلتي…".

لم تستطع السيطرة على دموعها التي تسارعت بالسقوط، ثم تابعت حديثها: "كنت أظن نفسي أنني الوحيدة التي تحظى بحنان الأسرة وحبها وعطفها. أما الآن فأعيش حرمانا من التعليم، أيوجد أسوأ من هذا"؟!

"لم أكن معتادة في مثل هذه المواقف على الوقوف أمامه لمناقشة أي موضوع يخصني، وقلت له: "أريد أن أكمل تعليمي. فأجابني بسرعة ودون تفكير أو مبالاة بأحلامي: "ليش تتعلمي وآخرتك للمطبخ؛ بلا تعليم بلا حكي فاضي، أنا ما معي أطعميكي وبدك أدرسك كمان"؟!

وتروي بشيء من الألم المشوب بحسرة ناقمة: "في داخلي لعنة كل شيء، لعنة العادات والتقاليد التي يختبئ وراءها تفكير أبي، ولعنة الحاجة وبشاعة الفقر. لا أريد منه الكثير، أريده فقط أن يحاول من أجلي"!
كبحت اندفاعي؛ فهو والدي، وموروثاته الجينية تسكن كل خلايا جسدي. وسمعت خطوات حلمي وهي تبتعد في تثاقل، وبدأت أرى أسوأ كوابيسي يتجسد حيا أمام عيني، وتساؤل بليد يلح على ذهني: هل كان علي أن أرد"؟
"والدي سطر خطوات حياتي بدلا مني، ولم يلعب الأدوار المفترض بكل أب جدير بهذا اللقب أن يلعبها، ولم يكن قد امتلكها يوما حتى يفقدها، أو لعله تركها في وقت مبكر، أنا لا أتذكر عنه شيئا.

وتقول روان إنها تعمل، وتضيف بابتسامة بريئة داهمت دمع عينيها: "ومن قال إني لا أعمل، أنا أعمل في صالات أفراح؛ أرتب وأنظف كل شيء، وراتبي أصرفه على أخوتي الصغار حتى لا يعيشوا ما عشته أنا".
وتعود للحديث عن حلمها: "طبعا لن أنساه، وسأحاول تحقيقه يوما ما، لا يهم متى! المهم أنه سيتحقق".
ما زالتروان  تتأمل فرجا قريبا، ملحا، عاجلا، يهبط كالقدر، لا تدري كيف ولا متى سيحل، ولكنها تتمسك بحبل أمل خفي تخشى أن يتبخر مع مرور الوقت، بيد أنه لم يكن هناك حل آخر.

وفجأة علا صوت إبراهيم؛ عامل المكتبة: كتاب "الأب الغني والأب الفقير" لا يزال على طاولة تلك الفتاة، ولم تعد لإكماله، وبقي مكانه، فهل لك أن تعيديه إلى رف الكتب؟

تنهدت في تسليم وهمست: لعلها بخير.

ماذا قلت؟

حسنا؛ سأعيده مكانه.

اخترنا لكم
عماد ابو الفتوح عندما عرفت أن الرواية القا...
سلمى أمين هل تمنّيت يومًا أن تتحدّث أكثر م...
 هند الجندي ينظر معظم الناس للأذكياء...
لينا العطّار/  اخترنا لكم من اراجيك...
بقلم: تركي المالكي الحياة مليئة بالجمال وا...
اخترنا لكم هدى قضاض- اراجيك  يعد ا...
منوعات
نغم كراجه/غزة يواجه الشباب صعوبة في إيجاد...
رغد السقا/غزة يمر ذوي الإعاقة بظروف نفسية...
سها سكر/غزة "لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أ...
نغم كراجة/غزة "أمي لم تفِ بوعدها، أخب...
إسراء صلاح/غزة هنا غزة المدينة المنكوب...
عرين سنقرط/القدس ربما قطار الفرح في مدينتي...