تحقيق: التجارة الإلكترونية المحلية لصٌ غير مراقب

2020-03-17 11:55:35

فرح البرغوثي/ رام الله

بندم شديد يسيطر على ملامح وجهها، بدأت فاطمة شقيرات (30 عاماً) تروي لنا ما حدث معها: "كنت أتصفح مواقع التواصل الإجتماعي فأعُجبت بأطباقٍ خشبية كبيرة على إحدى الصفحات المحلية وطلبت مثلها وعندما وصل الطلب تفاجأت بأن هذه الأطباق لا تتطابق مع المواصفات المُعلن عنها وإذ بها أطباق صغيرة جداً ومستطيلة الشكل لا تصلح لتناول الطعام".

هذه الحادثة أصابت فاطمة بعقدةٍ من الشراء الإلكتروني فأخبرتنا قريبتها رهام مسحل(20 عاماً) أنها الآن ترفض شراء أي شيءعبر الإنترنت حتى لو كانت ستفقد حياتها بدونه، وإذا عَرضت عليها من أي شخص تقول: "إشتروها وحدكم، أنا لا أريد".

لا إحصائية واضحة

وتلقي حالة شقيرات الضوء على التضليل والخداع الذي تحدثه التجارة الإلكترونية المحلية، فبالرغم من حالات الخداع المتكررة إلا أن مكتب البريد الفلسطيني ليس لديه أي إحصائيات واضحة حول هذا الموضوع، وتقتصر الإحصائيات التي يمتلكها على كمية الطرود التي تصل في كل عام، فعند مراجعة التقرير السنوي لعام 2019 تبين أن البريد الفلسطيني استقبل حوالي 218 ألف طرد، يزيد سعر الواحد منه عن 3 دولار، أما التي يقل سعرها عن 3 دولار فتصل إلى ثلاثة أضعاف الكمية المذكورة.

إن الخداع في التجارة الإلكترونية المحلية ليس بالجديد أو قضيةٍ غير معروف عنها، ولكن الجديد هو استمراره على الرغم من سن القوانين التي تحمي المستهلك، وتفرض العقوبة على كل من يحاول خداعه كإتفاقية حماية المستهلك الفلسطيني عام 2005، وهو ما دفعنا للتحقيق في هذه المعطيات. فهل فعلاً الخداع في التجارة الإلكترونية المحلية سياسة دائمة؟ ومن المسؤول عن هذه السياسة في حال وجدت؟ وهل المسؤولية مقتصرة على عاتق المشتري؟ أم أنها تمتد لتفرض عقوبات على البائع؟

شكاوي وغياب للقانون

في حديثٍ مع حالةٍ أخرى تعرضت للخداع تقول سارة التل (22 عاماً) أنها طلبت فستانا من أحد محلات القدس عبر الإنترنت بمبلغ 150 شيقل، وحددت للبائعة مقاسها واللون الذي تريده، لكن المفاجأة كانت عند إستلام الطلب حيث وجدت الفستان صغيرا ولا يطابق المواصفات المذكورة بأي شكلٍ من الأشكالٍ، إضافةً إلى أن البائعة قامت بإخفاء المقاس عنه.

تقول سارة: "أرسلت للبائعة التي قامت بقص النمرة رسالة بأنني أريد إرجاع الفستان فرفضت ذلك وقالت أنه ممنوع! فأرسلت لها صورة الفستان وأنا أرتديه لترى بأنه صغير وغير مناسب وفيه فتحة على الجنب لم تكن مذكورة بالمواصفات، وأخبرتها بأنني سأشتكي عليها".

لم تمر لحظات قليلة على إبلاغ سارة البائعة بنيتها رفع شكوى حتى وصلتها رسالة تقول: "بإمكانك تبديله بقطعة أخرى"،لكن هذه القطعة لم تكن بمواصفاتٍ جيدة إلا أنها أفضل من الفستان، واضطرت سارة لدفع سعر التوصيل مرةً أخرى بالرغم من أن سعر القطعة الثانية أقل من الفستان ب50 شيقل.

فحول وجود قانونٍ للتجارة الإلكترونية وحماية المستهلك الفلسطيني يقول مدير عام الإدارة العامة للأنظمة المعلوماتية في وزارة الإتصالات جميل زغارنة: "لا يوجد  قانون كامل يغطي موضوع التجارة الإلكترونية وحماية المستهلك في فلسطين، فالأمر بحاجة إلى تحديث التشريعات وسن قوانين شاملة لإدخال التكنولوجيا إلى التشريع الفلسطيني، والمواقع الموجودة أخذت تجارب عالمية واتبعتها لذلك تعتمد التجارة الإلكترونية على الموقع الإلكتروني ذاته وكيف يتعامل مع الزبون وكيف يسّن سياسته الخاصة".

الغزاوي: لا قدرة لدينا على الحصر

ولمعرفة على عاتق من تقع مسؤولية حماية المستهلك الفلسطيني ومتابعة المواقع الإلكترونية التجارية المحلية كان من اللازم التوجه للبريد الفلسطيني، فوجهنا السؤال ذاته إلى نائب مدير عام البريد الفلسطيني رمضان الغزاوي والذي قال:"إننا لا نتحمل مسؤولية الخداع والتضليل الذي قد يتعرض له المواطن عند شراء أي غرض إلكترونياً،فنحن ليس لدينا القدرة على حصر المواقع والصفحات التي تبيع محلياً؛ لأن عالم الإنترنت مفتوح ومن الصعب حصرهم ومراقبتهم، فأي شخص بإمكانه أن ينشأ صفحة ويبيع عن طريقها، المسؤولية هنا يتحملها المشتري بفحصه للموقع أو الصفحة والتأكد من أنها محمية وموثوقة مع الإطلاع على تقييم الزبائن الآخرين لها".

وفي دراسةٍ أجراها الباحث عبدالله ذيب محمود بعنوان (حماية المستهلك في التعاقد الإلكتروني) بين أنه على المزود الإلتزام  بإعلام وتبصير المستهلك بمعلوماتٍ شاملة عن كل مـا يتعلق بعملية البيع عبر شبكة الإنترنت أو أي وسيلة إلكترونية.

وأشارت الدراسة أن مشروع قانون المبادلات والتجارة الإلكترونية الفلسطيني لعام 2003 تناول الإعـلام قبل التعاقد فنصت المادة 50 على "ضرورة توفير البائع للمستهلك في المعـاملات التجارية الإلكترونية قبل إبرام العقد معلومات عديدة أهمها: اسم وعنوان وهـاتف البـائع، وطبيعة ومواصفات وسعر المنتج، ونفقـات تسليم المنتج ومبلغ تأمينه وأية نفقات أخرى، والفترة التي يكون خلالها المنتج معروضاً بالأسعار المحددة، وطرق وإجـراءات الـدفع، وإمكانية العـدول عـن الشراء وأجله، وطرق إرجاع المنتج أو إبداله وإرجاع المبلـغ".

 بنصف السعر دون أي استخدام

لم يقتصر الخداع على الأطباق والملابس فتوسع ليصل إلى الأحذية ومستلزمات الهواتف، فأثناء إعدادنا التحقيق أعلن الشاب أسامة حماد (27 عاماً) عن رغبته في بيع حذاء ذوو ماركة عالمية ومواصفات جيدة بسعرٍ مناسب، وعند التواصل معه أخبرنا بأنه اشتراهعبر الإنترنتمن الداخل الفلسطيني بسعر 170 شيقل، وحين استلم الحذاء وجد النمرة نفسها لكن قالبه صغير.

ويقول:"تواصلت مع الصفحة عبر رسائل الفيسبوك لاستبداله وانتظرت طويلا فترة ولم يصلن رد، واكتشفت عدم وجود رقم هاتف أو بريد إلكتروني لديهم، فاضطررت لبيعه بنصف السعر، وبعد هذا الموقف قررت مقاطعة الشراء الإلكتروني والاعتماد على التجربة والقياس والشراء فقط من الأسواق".

خرق القوانين المحلية

وبحسب قانون حماية المستهلك الفلسطيني فقد نصت المادة 28 والمادة 29 علـى "إن مـن يقوم بخداع المستهلك بحقيقة المنتجات أو طبيعتها أوعددها أو نوعها، يعاقب بالسجن لمـدة لا تزيد عن ثلاث سنوات، أو بغرامة لا تتجاوز ثلاثة آلاف دينار أردني، أو ما يعادلهـا بالعملـة المتداولة قانوناً، أو بكلتا العقوبتين، كما يعاقب بذات العقوبة كل من صنع أو بـاع أي سـلع أو معدات تستعمل في الغش، أو حرّض على استعمالها بواسطة نشرات أو إعلانات".

بالرغم من هذا القانون والعقوبات المترتبة على كل من يقوم بخداع المستهلك إلا أن حالات الخداع ما زالت مستمرة، وكأن الأمر بات أشبه بالروتين المُعتادكما يقول حماد: "ما تعرضت له من احتيال ووصول طلب بمواصفات مختلفة وعدم الرد أو إيجاد وسيلة تواصل جعلتني أشعر أن هذه الصفحات والمواقع هدفها فقط تضليل المستهلك، دون أي خوف من العقوبات التي ينص عليها القانون وكأنهم يعلمون أن لا أحد يستطيع معاقبتهم!".

ما قاله حماد وافقت عليه أمين سر جمعية حماية المستهلك رانية الخيري وأكدت ذلك بقولها: "بعض هذه المواقع والصفحات تستغل وجودها داخل الخط الأخضر وتقوم بخداع المستهلكين لأنها محمية ولن ينال منها القانون، لذلك على المستهلك أن يشتري من المواقع المحمية والموثوقة وليس عن طريق صفحات الفيسبوك، ويستطيع المستهلك أن يقدم شكوى لنيابة الجرائم الإلكترونية على هذه الصفحات ثم يقوموا بفحصها وتتبعها واسترداد حق المستهلك في حال كانت غير وهمية".

وحول الأسباب الأخرى التي تدفع البائع لاستغلال المشتري أوضحت الخيري أن بعض هؤلاء البائعين تكون لديهم بضاعة بمواصفات سيئة ويريدون التخلص منها بأية طريقة كانت، أو يعانون من نفسٍ مريضةٍ هدفها فقط سرقة أموال الآخرين وخداعهم.

تطابق المواصفات وإمكانية الإرجاع

ووفقاً لحالةٍ أخرى توصلنا أن غالبية حالات الخداع والتضليل تحدث في صفحات مواقع التواصل الإجتماعي المحلية، إذ تقول سرية خالد (20 عاماً) أنها في كل مرة تطلب فيها ملابس عبر صفحات محلية تصلها بنوع قماشٍ سيء وحجمٍ صغيرٍ جداً أو كبير وتضطر للتنازل عنها لأخواتها أو رميها في القمامة، لكن في الوقت الذي تطلب فيه ملابس أو أي غرضٍ من المواقع العالمية الموثوقة تصل بمواصفاتٍ جيدة ومطابقة للمعلن عنها.

وعند البحث في سياسة بعض المواقع العالمية مثل علي إكسبرس وأمازون تبين أن المواطن بإمكانه إعادة الطلب لأي سببٍ من الأسباب خلال فترة محددة يعلن عنها أسفل المنتج، مع إمكانية استعادة الأموال.

وأكدت على ذلك الخيري قائلةً: "إن المسؤولية تقع على عاتق المستهلك فعليه قراءة شروط الموقع والمواصفات المكتوبة والتأكد من وجود سياسة الإرجاع وسياسة الشكوى، لكن في حال عدم إلتزام البائع أو الموقع بها فالمسؤولية تقع عليه وبالإمكان تقديم شكوى عنه ومعاقبته"، وأشارت إلى ضرورة الشراء من المواقع التي تبدأ بhttps وليس   httpلحماية بطاقته البنكية، ولضمان طريقة دفع الأموال، والتأكد من صدق الموقع.

وحول السؤال إلى متى ستستمر الصفحات والمواقع المحلية بخداع المواطنين دون رقابة أو عقاب تبين في ختام هذا العمل أن الرقابة والمتابعة ليست مسؤولية البريد وحده، فمن المفترض أن يصبح هناك قانون يراقب هذه الصفحات من قبل البريد الفلسطيني ووزارة الإقتصاد ودائرة الجمارك والغرف التجارية ووزارة المالية وكل من له مصلحة، لكن حتى اللحظة لا يوجد أي قانون والمسؤولية تقع علىعاتق المشتري وحده بحجة أن عالم الإنترنت مفتوح ومن الصعب مراقبته.

- الصورة من الإنترنت

اخترنا لكم
عماد ابو الفتوح عندما عرفت أن الرواية القا...
سلمى أمين هل تمنّيت يومًا أن تتحدّث أكثر م...
 هند الجندي ينظر معظم الناس للأذكياء...
لينا العطّار/  اخترنا لكم من اراجيك...
بقلم: تركي المالكي الحياة مليئة بالجمال وا...
اخترنا لكم هدى قضاض- اراجيك  يعد ا...
منوعات
نغم كراجه/غزة يواجه الشباب صعوبة في إيجاد...
رغد السقا/غزة يمر ذوي الإعاقة بظروف نفسية...
سها سكر/غزة "لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أ...
نغم كراجة/غزة "أمي لم تفِ بوعدها، أخب...
إسراء صلاح/غزة هنا غزة المدينة المنكوب...
عرين سنقرط/القدس ربما قطار الفرح في مدينتي...