محمد خميس/ طولكرم
ليس هناك أجمل من أن يتمكن مزارع من غرس شتلة في أرضه، ويعود إليها في الغد ليرعاها، أو حين يقطف ثمارها. ولكن بوجود المستوطنات وبوابات يتحكم بها جنود الاحتلال، تبدأ الحكاية؛ ففي كل صباح يجتمع المزارعون بانتظار وصول الجنود لفتح البوابات؛ ليتمكنوا من الدخول إلى أراضيهم، وليس لأي مزارع أن يعاني أقسى من كابوس أن يفتح عينيه على قرار مصادرة أرضه.
هذا هو الحال في الجانب الغربي لمدينة بيت لحم، والشرقي لمدينة القدس، حيث تقع 1989مستوطنة «بيتار عليت»، التي أنشئت عام على أراضي قريتي حوسان ونحالين.
40 يوما لنسيان الأرض
الحاج أبو العبد من مواليد عام 1962، يقف وخلفه المستوطنة، وما بينهما أرضه التي تقررت مصادرتها. رافق أبو العبد والده، مرارا وتكرارا إلى هذه الأرض، ويتذكر كل مقولات والده التي تركها
بصمة في عقله، ولا تزال حاضرة كأنه يسمعها الآن، وهو يرتعش أثناء الحديث عنها، وتبدأ عصاه التي يتكئ عليها بالخبط على الأرض، إلى درجة قد توجع الإسفلت لو كان حيا!
وبين أشجار الزيتون واللوزيات، جلسنا نتبادل الحديث، فقال لنا: «على أن أنسى أرضي خلال أربعين يوما! هذه أرضي، ولا أفهم كيف أحدث الكاميرا عن شعوري تجاهها. ولا أفهم كيف أجادل المستوطن حول عدم أحقيته بأرضي».
ويتابع: «لست أفهم! هذه أرضي يا جماعة! وهل يكفي أن أنبش لهم فيها فأخرج عظام والدي وجدي لأثبت لهم ذلك»؟ ثم يستدرك: «لكنهم يعرفون... إنه حكم القوي على الضعيف؛ فنحن في شريعة الغاب».
تبلغ مساحة أرض أبي العبد المقررة مصادرتها 23 دونما، من أصل421 دونما، هي أراضي سكان المنطقة، التي استولى عليها قرار الضم والمصادرة، وتشمل أراضي قرى نحالين، وحوسان، ووادي فوكين، ستضم إلى أراض مصادرة مساحتها3314 دونما، تخطط سلطات الاحتلال لجعلها مدينة استيطانية.
ورغم مصادرة أراضي أبو محمد البالغة 18 دونما، إلا أنه يقوم بزيارتها بين الحين والآخر، ويلقي عليها السلام، ويطلب أن تسامحه لأنه «خانها»؛ وهو يرى كيف احترق أخضرها، وسرق ثمرها، وعبرتها مياه المجاري.
ويقول فراجي عبد العزيز سباتين: «ثمن أرضي نصف مليون دولار، لكنني أتعرض لمساومات، وقد وصل المبلغ المعروض على لبيعها عام2007 (35مليون دولار)، إضافة إلى الحصول على إلى الجنسية الأمريكية».
وفي عام2011، بدأت سلطات الاستيطان ببناء 106 فللَ، وتم تقديم 642 عطاء للبناء خلال السنة.
سالت أدمع الحاج أبو العبد وهو يقول: «لم، ولن أتذوق حلاوة أبدا كحلاوة ما ورثته عن أبي؛ كل صباح أنزل لأرضي، ألتقط الزعتر، وأشرب كوبا من الشاي، وأتكئ في الظل على شجرة زيتون... وأموت على هذا».