أخبري الاحتلال أنك تريدين العودة لإعطائي الممحاة والقلم

2016-02-24 11:47:57

هبة بطة/ نابلس

كل شيء كان جميلا بنظرك، حتى رائحة السمك عند مدخل البلدة، كنت دوما تستنشقينها وتقولين إن رائحته جميلة لتغيظيني، وتتباطئين في مشيتك كي أشمها حتى أكاد أتقيأ. أتذكرين فطورنا الساذج، أو كما هو معلوم لدينا: كوبين من القهوة السادة، في مقهى نعشق رائحة قدمه عندما يختلط كل شيء قديم مع غليان القهوة.

كنت تحبين الروايات كثيرا، وتتقمصين شخصياتها تبعا للمواقف التي تحدث معنا. وكم كنت تحبين النساء القويات اللواتي ينتقمن من الرجال، وعلى النقيض كنت تحبين زوربا المجنون بالنساء والمولع بهن، وتقولين:"أكره الرجل بقدر ما يعشق من نساء الأرض".

أتذكرين عندما صادفنا تلك المرأة القوية؛ تلك التي انتقمت من بائع الخضار بطريقة ذكية رهيبة عندما علمت أن البائع أخذ منها نقودا إضافية على السعر. قلت يومها للبائع:"احذر من الانتقام الهادئ، تشم رائحة احتراقك قبل أن تصلك نيرانه". وبعدها هربت ضاحكة.

وعلى سيرة بائع الخضار المتعجرف، أتذكرين البائع الطيب المجاور له، الذي كنا نأكل عنده "حلاوة الزلابية" الشهية ذات اللون الغروبي، وبعد ذلك نتمشى داخل الأزقة، ونتحدث حتى تتعب ألسنتنا الطويلة، والتي كنا نحتفظ بطولها وسخريتها عندما نجتمع سويا، ويبدأ خمر كلامنا يرنحنا حد انفتاح أفواهنا من الابتسامة.

أتذكرين المسجد ذا القبة الخضراء الذي طالما تساءلت بشأنه لماذا لا يغيرون لونها؟ وتبادرين بالإجابة على نفسك فورا:"لكن الأخضر لون جميل يشبع دوما رغبة بداخلنا لا نعرفها فور النظر إليه". ورجحت كذلك أن الله جعل الطبيعة خضراء للسبب ذاته. كنت تحبين الصلاة فيه كي تري تلك العجوز التي تنتقد لباسك بطريقة غريبة، وتستفزينها ثم تخرجين، وتقولين:"الله يحبنا، عندما يبعث لنا مثل هؤلاء، يذكروننا بأن الأمور ليست دائما على ما يرام، ويجب إعادة النظر في كل شيء".

العودة إلى حينا الذي كان على مقربة شديدة من ألوان الغروب القرمزية، ومنظر الجبال الأرجواني المظلل، كنت تنتظرين أن يمتزج اللونان، وتجلسين معي حتى يغيب كل شيء، ونغيب نحن عن هذا العالم بضجيجه.

أتذكرين يا نوران؟ للأسف، أنا لا أذكر هذا كله، أنا أتخيلهُ فقط!

ما أذكره آخر يوم لنا على درج المدرسة عندما تشاجرنا بسبب الممحاة الملونة، وبعدها فقدتك، عندما اختطفك الاحتلال في اليوم نفسه؛ أما أخبرتهم أننا تشاجرنا وتريدين مصالحتي؟!

لا أعرف يا صديقتي، أكان توقيت المشكلة على الممحاة خاطئا؟ أم توقيت اختطافك؟

لن أتشاجر معك على الممحاة، فقط عودي!! وأخبري الإحتلال الإسرائيلي أنك ما زلت تريدين إعطائي الممحاة والقلم، ومشاركة العلم معي على الدرج ذاته، وأخبريهم أنك ما زلت تنتظرين مصروف العصر من أمك...

 

اخترنا لكم
عماد ابو الفتوح عندما عرفت أن الرواية القا...
سلمى أمين هل تمنّيت يومًا أن تتحدّث أكثر م...
 هند الجندي ينظر معظم الناس للأذكياء...
لينا العطّار/  اخترنا لكم من اراجيك...
بقلم: تركي المالكي الحياة مليئة بالجمال وا...
اخترنا لكم هدى قضاض- اراجيك  يعد ا...
منوعات
نغم كراجه/غزة يواجه الشباب صعوبة في إيجاد...
رغد السقا/غزة يمر ذوي الإعاقة بظروف نفسية...
سها سكر/غزة "لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أ...
نغم كراجة/غزة "أمي لم تفِ بوعدها، أخب...
إسراء صلاح/غزة هنا غزة المدينة المنكوب...
عرين سنقرط/القدس ربما قطار الفرح في مدينتي...